للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يخفى الورع والأخذ به على أصحابه، ولو علم الطلاقَ، وشك في العدد، فالواقع القدر المستيقن، والمشكوكُ فيه لا يقع في الظاهر المحكوم به.

وكذلك العتق وما في معناهما. وعلى هذا بنى الشافعي الشك في أعداد ركعات الصّلاة.

٩٢٠٦ - ثم إذا تمهّد أصل الباب، فنذكر صوراً تجرّ شكوكاً منها: أنه لو طار طائر، فقال الزوج: إن كان هذا غراباً، فامرأتي طالق، ولم يتبيّن له حقيقة الحال، فلا يقع الطلاق؛ لاحتمال أنه لم يكن غراباً، وكذلك لو قال: إن كان غراباً، فامرأتي طالق، وإن كان حماماً، فعبدي حرّ، فلا نحكم بالطلاق ولا بالعتاق، فإن الطائر قد يكون جنساً ثالثاً.

ولو قال: إن كان غراباً فعمرة طالق، وإن لم يكن غراباً، فزينب طالق، فتطلق إحداهما؛ فإن الطائر إما أن يكون غراباً أو لا يكون غراباً، فقد وقعت طلقةٌ مبهمة بين زوجتيه، وسيأتي هذا الأصل في الباب، فهو المقصود.

ولو صدر هذان القولان من رجلين: قال أحدهما: إن كان غراباً، فامرأتي طالق، وقال الآخر: إن لم يكن غراباً، فامرأتي طالق، فلا نحكم عند إشكال الأمر بوقوع الطلاق على زوجةِ واحد منهما، بخلاف ما لو اتحد الحالف وتعدّد المحلوف بطلاقه، والفرق أن الحالف إذا اتحد، فقد تعين الحانث، وأمكن توجيه الخطاب عليه بربط بعض أمره بالبعض، وحمله على مقتضى وقوع الالتباس، وإذا تعدّد الرّجلان، امتنع الجمع بينهما في توجيه خطاب، ومعلوم أن أحدهما لو انفرد بمقالته، لما حكمنا بوقوع الطلاق على زوجته، فإذا ذكر صاحبه شيئاً، استحال أن يتغيّر حُكْمنا على زيد بسبب مقالةٍ صدرت من عمرو، فيتعذر المؤاخذة إذاً.

وهذا قد يناظر ما إذا سمعنا صوت حدثٍ بين رجلين، ثم قام كل واحدٍ منهما

واستفتح الصّلاة، فلا معترض على واحد منهما؛ فإن كل واحد يورِّك (١) بالذنب على


(١) يورّك بالذنب على صاحبه: أي يحمله عليه ويحمله إياه. يقال: ورّك فلان ذنبه على غيره توريكاً إذا أضافه إليه وقرنه به (اللسان والأساس).