تعلق المحقق على المخطوطات فن قائم بذاته من فنون الكتابة، فقد تنوعت فنون النثر إلى القصة، والأقصوصة، والرواية، والمقال، والرسالة، والخطبة، والبحث، والتوقيعات، وغيرها، وقد وضع علماء النقد والبلاغة لكل فن من هذه الفنون ضوابط وقواعد، صارت قوانين ملتزمة، يقبل ويرد العمل بحسب هذه القوانين.
وآن لنا نحن المشتغلين بالتحقيق أن نضع الضوابط والقواعد لهذا الفن، فن التعليق على المخطوطات، وحبذا لو عقدت ندوة لأهل هذا الفن، وأخرجت لنا -بعد المناقشة والمخاوضة- خصائص وقواعد لهذا الفن، وأبدأ فأتقدم بما أراه من هذه الخصائص والضوابط، آملا أن تكون نواةً وأساساً يكمل وينضج بإضافات ومناقشات أساطين العاملين في مجال التراث.
٢ - أن يضع المحقق نصب عينيه قيمة الكتاب الذي يحققه، ليعرف أيَّ نوعٍ أو أيَّ مستوى من القراء والباحثين سيتناول هذا الكتاب ويتعامل معه، ومن هنا يعرف ماذا يفسر وماذا يدع، وكيف يفسر، وبأي أسلوب.
٣ - أن يسأل نفسه دائماً، ماذا يبغي من هذا التعليق، وما فائدته؟
وعلى سبيل المثال والتطبيق لهذا القانون، عند إشارة الإمام في هذا الكتاب إلى المذاهب المخالفة كنت لا أزيد على أن أعزو المسألة إلى موضعها في مصادر المذهب المخالف، مكتفيا بالإحالة على اسم الكتاب والجزء والصفحة ملتزماً " أدب التحقيق " على حد تعبير أستاذنا العلامة عبد السلام هارون رحمه الله، فلن تجد في هذه الإحالات ذكراً للمسائل المحال عليها، لا شرحاً، ولا تلخيصا، ولا مجرد إشارة إليها.
ذلك أنني تساءلت ماذا نتغيا من تلخيص مسائل من كتب الأحناف أو المالكية، وإثقال الكتاب بها؟ ما الذي يستفيده قارىء الكتاب من ذلك؟