للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلم بأكثرَ مما يُستحق عليه في الزكاة، فحق على القابض منه أن يُعلمه أن الذي أتى به أكثرُ مما عليه، وإذا التزم أكثرَ من الدينار في السنة، وقضينا بأن الوفاء بالملتزَم واجب، فلو نقض العهد، فقد ذكرنا أنّا لا نغتاله، فلو أنه بعد نبذ العهد طلب منا تجديد العقد بدينارٍ، لزم إسعافه، فعلى هذا يَضْعُفُ أثر الالتزام أيضاً، ولكن إن لم يكن الكافر عالماً بما ذكرناه حتى تمر السنة، فلو نبذ العهد، طالبناه بالخروج عما التزمه في السنة الماضية، وإن مضى بعض السنة، فهذا يخرج على موته في أثناء السنة.

فإن قلنا: إذا مات الذمي في أثناء السنة يجب قسط من الجزية، على ما سيأتي مشروحاً، إن شاء الله تعالى. فإذا التزم أكثرَ من الدينار، ومضت أيام، ثم نقض وعاد، فيلزمه لما مضى قسط من الجزية التامة التي التزمها.

وأوجب أبو حنيفة (١) على الفقير المعتمل ديناراً، وعلى الغني أربعة دنانير، وعلى المتوسط دينارين.

١١٤٤٥ - فإن قيل: إذا كنتم لا تفرقون بين الغني والفقير والمتوسط فيما يقع الاكتفاء به من الجزية، فما قولكم في الكافر الفقير إذا كان لا يستمكن من أداء دينار؟ قلنا: الفقير الكسوب المعتمل القادر على أداء دينار، يُقرّ ويطالب بالدينار في السنة.

فأما إذا كان لا يستمكن من تحصيل الدينار، فقد نقل الأصحاب قولين في أنه هل يخرج من دار الإسلام؟ أحدهما - أنه يخرج، فإنه لا سبيل إلى شغل عرصات دار الإسلام بالكفار من غير جزية يبذلونها. والقول الثاني - أنه يقر.

ثم على هذين القولين قولان: أحدهما - أنه يترك في الدار من غير جزية، حتى لو انقضت سنون، وهو لم يملك فيها ما يؤديه، ثم ملك، فالمؤاخذة تقع من وقت الملك، ولا مطالبة عليه في مقابلة ما مضى. والقول الثاني - أنه يقرّ في دار الإسلام بجزية يلتزمها، وتستقر في ذمته، فإذا ملك يوماً طولب بما استقر في ذمته من السنين


(١) ر. مختصر الطحاوي: ٢٩٤، المبسوط: ١٠/ ٧٨، فتح القدير: ٦/ ٤٥، حاشية ابن عابدين: ٤/ ١٩٦.