للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٢٠٩٤ - قد قدمنا أن القاضي متبوع في قضائه، وأوضحنا [تعليله] (١)، وذكرنا أن الولايات لا تستمر (٢) إلا بهذا مع اختلاف المذاهب. وقد ذكر صاحب التقريب أمراً بديعاً لم أره لغيره، وذلك أنه قال: القضاء ينفذ ظاهراً على العوام، وإن اختلفت مذاهبهم، فإن كان المقضي عليه مجتهداً، [وقد] (٣) خالف مذهبه مذصبَ القاضي، فهل ينفذ قضاء القاضي عليه ظاهراً على خلافِ عقده؟ ذكر في ذلك وجهين: أحدهما - أنه ينفذ. وهو الذي قطع به الأصحاب.

والثاني - أنه لا ينفذ؛ لأن المجتهد مستقل بنفسه في نظره، فليس له أن يتبع غيره، وليس للغير أن يستتبعه.

وهذا عندي في حكم الهفوة التي لا يعتدّ بها، لأن القول به يؤدي إلى خرم منصب القضاة؛ على أنه مراغمة لما مضى عليه الأولون؛ فإن أقضية الخلفاء ومن بعدهم تنفذ على أئمة الدين؛ فلا وجه لهذا. وإنما الخلاف في الباطن كما ذكرناه.

١٢٠٩٥ - ونعود بعد ذلك إلى إتمام المراد بما يليق، إذا ادّعى حنفي على شافعي شفعةَ الجوار، وكان القاضي يرى إثباتها، فإذا أنكر الشافعي الشفعة، لم يكن له أن يحلف بناء على اعتقاد نفسه لما مهدناه من أنه يجب اتباع القاضي؛ فلا يكون باراً في يمينه بالله لا يلزمه، بل هو كاذب فيها.

وفي تعليق معتمدٍ عن القاضي أنه لو حلف مؤوِّلاً بانياً على عَقْد نفسه، حنث في الظاهر (٤)، وهذا كلام خليٌّ عن التحصيل، والوجه أن نورِّك (٥) الذنب فيه على المعلِّق؛ فإن لزوم الكفارة ليس مما يختلف فيه الظاهر والباطن (٦). وكذلك إذا حلف


(١) في الأصل: " بعلله ".
(٢) كذا، وأكاد أجزم أن صوابها: " لا تستدّ ". أي لا تستقيم، فهذا اللفظ (تستدّ) يدور على لسان الإمام كثيراً.
(٣) في الأصل: " فقد ".
(٤) أي لا يحنث باطناً، فلا تجب الكفارة عليه، كما سيظهر واضحاً في الأسطر الآتية.
(٥) ورّك الذنب عليه أي حمّله إياه، وحمله عليه. (القاموس المحيط).
(٦) يريد الإمام -لأدبه العالي، وخلقه الجم- أن يقول: إن هذه الهفوة المنسوبة إلى القاضي=