كذلك، فلا ارتباط للبينة بالدعوى، ولكنا لسنا نعني دعوىً تقتضي البينة أو تقتضيها البينة، وإنما نعني أن الدعوى تنتظم فيها، وتصح، ثم التحليف يجري متعلقاً بما ذكرناه. إلا أن يؤدي إلى فساد حال.
وبيان ذلك أن المشهود عليه لو ادعى على الشاهد تعمّد الكذب، فالدعوى منتظمة، ولو أقام بينة على إقرار الشاهد بذلك لسُمعت، ولكن لو أراد تحليف الشاهد، لم يجد إليه سبيلاً؛ فإن هذا يُطَرِّقُ إلى الشهود أمراً عظيماً لا يحتمل، وقد يرتدعون عن الشهادة لأجله، وكذلك لو ادعى الخصم على القاضي تحيُّفاً في القضاء، فالدعوى منتظمة، والبينة على شرطها مسموعة عند قاضٍ آخر. ولكن لا سبيل إلى تحليف القاضي في زمان ولايته. وإن عُزل، فقد قدمنا تفصيل المذهب في الدعاوي المسموعة على القاضي المصروف.
ولو قذف رجل رجلاً، ثم ادعى عليه أنك زنيتَ، وأراد أن يحلّفه على ذلك، فقد قال الأصحاب: له أن يحلّفه؛ فإن حلف، استقر حد القذف على القاذف، وإن نكل، رددنا اليمين على القاذف، فإن حلف، لم يثبت الزنا بحلفه، ولكن يندفع حد القذف عن القاذف، فإذاً فائدة عرض اليمين ترجع وتؤول إلى دفع حد القذف، وهو من حقوق الآدميين.
فرع:
١٢١٠٨ - إذا نكل المدعي عن اليمين المردودة، ثم أقام شاهداً، وأراد أن يحلف مع شاهده، ففي المسألة قولان: أحدهما - لا يكون له ذلك؛ لأنه نكل عن اليمين في هذه الواقعة. والثاني - له ذلك؛ لأن هذه اليمين غير تيك التي نكل عنها.
وكذلك إذا أقام شاهداً واحداً، ونكل عن اليمين معه، فعرضنا اليمين على المدعى عليه، فنكل، فأراد المدعي أن يحلف يمين الرد، فقولان كما تقدم، وقد ذكرنا نظائر لذلك في كتاب القسامة، عند فرض النكول عنها، والرغبة في يمين الرد بعدها. وإذا اتضح الغرض، فالإيجاز أولى.
ومما اشتهر في المسائل قولان استنبطهما الأصحاب من كلام الشافعي في أن يمين الرد بمثابة بينة تقام، أم هي بمثابة إقرار المدعى عليه؟ ولهما فوائدُ وآثارٌ