للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٢١٤٤ - وإن شهد الرجل، فردت شهادته لفسقه، ثم ظهرت عدالته وحسنت حالته وكان مقبول الشهادة في القضايا، فلو أعاد تلك الشهادة التي رُدّت بسبب الفسق، نُظر: فإن كان مستسرّاً بالفسق أولاً متعيّراً به لو نسب إليه، وقُذف به، فلا تقبل الشهادة المعادة باتفاق الأصحاب (١)، ووافق فيه أبو حنيفة (٢)، ومتبعوه.

ولو كان معلناً بالفسق لمّا شَهد، غير متعَيّرٍ بأن ينسب إليه، فردت شهادته، ثم ظهرت عدالته، فأعاد بعد العدالة تلك الشهادة، ففي قبولها وجهان: أحدهما - أنها مردودة، كما لو كان متعيراً بالفسق أول مرة. والثاني - أنها تقبل، كالشهادة المعادة بعد العتق، وتغير العتق من التغايير التي وصفناها.

وأصحاب أبي حنيفة يزعمون أن سبب رد الشهادة المعادة أنها ردت، وجرى القضاء بردها أولاً، وشهادة الفاسق شهادة، بخلاف شهادة الصبي والمملوك والكافر؛ فإنها ألفاظ على صيغ الشهادة، وليست شهادة، ومعنى ردها إبانة أن ما جاؤوا به ليست شهادة، وليس كذلك الفاسق؛ فإنه شاهد، فإذا اتصل القضاء برد شهادته في قضية، لم تُعَد؛ إذ لو أعيدت، وقبلت، لكان قبولها نقضاً للقضاء السابق بالرد. وقد ذكرنا كلامهم هذا في مسائل الخلاف ونقضناه.

والذي يدور في الخَلَد من هذه المسألة؛ أن رد الشهادة المعادة بعد ظهور العدالة ليس ينتظم فيه معنى صحيح عندي؛ فإني أوضحت أن رد الشهادة بالتهمة من العدل لا معنى له في مسلك القياس، فقد استثنى الخبر رد شهادة الخصم، وألحق الشافعي


(١) اتفق الأصحاب على ردّ شهادة الفاسق في هذه الحالة، حالة ما إذا كان مستسرّاً بالفسق، يخشى أن يعيّر به، فإذا ردّت شهادته، كان الردّ كاشفاً لفسقه، مظهراً لما يتعير به، فإذا تاب، وصلحت حاله، وصار مقبول الشهادة، فلو أراد إعادة الشهادة المردودة، لم تقبل، لأنه بمحل التهمة، تهمة من يريد أن يدفع عن نفسه عار الكذب، وينفي عنها التعيّر بالفسق السابق الذي ردّت به شهادته.
وقد بسط النووي ذلك في الروضة، حين جعل من شروط قبول الشهادة " الانفكاك عن التهمة " ثم قال: " وللتهمة أصباب ... السبب السادس - أن يدفع عن نفسه عار الكذب " ثم ضرب الفاسق الذي ردّت شهادته مثلاً لذلك. (ر. الروضة: ١١/ ٢٣٤ - ٢٤١).
(٢) ر. مختصر الطحاوي: ٣٣٣، المبسوط: ١٦/ ١٢٨.