للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثالث

١٢١٨٤ - فمضمونه الكلامُ في الرجوع عن الشهادة بعد نفوذ القضاء فيما يفرض فيه مستدرك، وهو كالشهادة على الأموال. فإذا شهد شاهدان على أن الدار التي في يد زيد لعمرو، ونفذ القضاء بموجَب الشهادة، فإذا رجعا، فلا سبيل إلى نقض القضاء، وهل يغرمان للمشهود عليه قيمةَ الدار؟ فعلى قولين: أحدهما - أنهما يغرمان. وهذا أقيس القولين؛ لأن الشهادة مسلكٌ لو فات بها شيء، وفرض الرجوع، ثبت الغرم، وكل جهة تثبت الغرم عند تحقق الفوات؛ فإنها تُثبت الغرم عند إثبات الحيلولة، والشهادة قد أَثبتت حيلولةً، فلتقتض غرماً.

والقول الثاني - إن الغرم لا يجب؛ فإن التفويت لم يتحقق؛ إذ يتصور من المشهود عليه أن يعترف ويقرّ، ويرد الدار إلى المشهود عليه، وهذا لا يتحقق في الطلاق والعتاق؛ فإنهما بعد نفوذ القضاء بهما لا يتصور فيهما مستدرك، فكانا في معنى الإتلاف المحقق، وهذا القول يعسر توجيهه، ولكنه القول الجديد، ومأخذ القولين قريب من أصل القولين فيه إذا قال الرجل: غصبت هذه الدار من فلان، لا بل من فلان، فالدار مسلّمة إلى الأول، وهل يغرم للثاني قيمة الدار، من حيث تسبب بتقديم الإقرار للأول إلى إيقاع الحيلولة بين الثاني الذي قَرّ عليه إقراره وبين الدار؟ فعلى قولين.

فرع:

١٢١٨٥ - إذا شهد شاهدان، ثم رجعا عن شهادتهما قبل نفوذ القضاء، فلا شك أن القاضي لا يقضي بشهادتهما بعد الرجوع، فإن قالا: تعمدنا الكذب، رُدت شهادتهما عموماً؛ فإن الشهادة ترد بما يورث رَيْباً في شهادة الزور، فإذا اعترفا بتعمد الكذب، فقد تعرضا لهدم منصبهما فيما هو عين المقصود بالشهادة، فإن تابا واستبرأنا أحوالهما، قبلنا شهادتهما في غير (١) تلك القضية، فإن قالا: ما كنا كذبنا، وإنما


(١) ت ٥: " عين ".