للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو قضى القاضي بشهادة رجلين، وبانا فاسقين، وتبين اقتران فسقهما بوقت القضاء، ففي المسألة قولان: أقيسهما - أن الحكم منقوض؛ لأنه بأن من الشهود ما لو عُلم حالةَ القضاء، لامتنع القضاء بشهادتهم، فاشبه الرق والكفر.

١٢١٨٧ - قال الشافعي: " شهادة العبد أقرب (١) من شهادة الفاسق؛ لأن ردّ شهادة الفاسق بالنص. قال تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦]، وقال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢]، وقال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢].

وردُّ شهادة العبد بالتأويل (٢)، ثم قال: " من العلماء من قبل شهادة العبد، وهو أحمد وغيره. ورد شهادة الفاسق متفق عليه " (٣).

فأما وجه القول الثاني، فعسرٌ، ولا يتجه فيه كلام، إلا أن نحوّم على ما ذكره أصحاب أبي حنيفة (٤) من أن الفاسق من أهل الشهادة، بدليل مسألة الرد والشهادة المعادة، وهذا على بُعده عن مذهبنا لا متمسك فيه.

ومن أصحابنا من قطع بأن الحكم يتبين انتقاضه إذا [استند] (٥) الفسق، وحمل قول الشافعي حيث قال: " لا ينتقض " على فسق يظهر بعد القضاء على قرب العهد، ولكن لا يتبين استناده، فالحكم لا ينتقض؛ وإن كنا نظن أن ذلك الفسق مستند، وعليه تبيّنا فسق الأصول في باب الشهادة على الشهادة.


(١) عبارة الشافعي في الأم والمختصر نصّها: " بل القاضي بشهادة الفاسق أبين خطأ منه بشهادة العبد " (ر. الأم: ٧/ ٥٠، والمختصر: ٥/ ٢٦٠).
(٢) ر. المختصر: ٥/ ٢٦٠، وفي هذا تصرّف يسير، فليس هو بنص المختصر.
(٣) لم نصل إلى هذه العبارة في المختصر في هذا الموضع.
(٤) ر. بدائع الصنائع: ٦/ ٢٦٦، فتح القدير: ٥/ ٦٥، ٦/ ٤٥٦، تحفة الفقهاء: ٣/ ٣٦٣.
في الأصل: " اشتبه "، والمثبت من (ت ٥).
والمعنى أن من أصحابنا من جعل في المسألة طريقة أخرى، وهي القطع يتبين نقض الحكم إذا كان الفسق مستنداً، بمعنى أنه ثبت وظهر معتمداً على أسباب توجب التفسيق كانت سابقة أو مقترنة بالقضاء.
وجعل قول الشافعي: " لا ينتقض الحكم " محمولاً على الفسق الذي يظهر بعد القضاء، ولا يتبين استناده.