للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا نقرع في الوصايا، وإنما الإقراع في المعتَقين في الحياة. وهذا القائل احتج بأن القياس التسويةُ بين العبيد في الحياة والممات جميعاً، وتخصيص البعض القرعة، وحرمان البعض خارج عن قصد المتبرع، وعن قياس الاستحقاق؛ فإن المعتق أثبت لكل واحد من العبيد حقاً في العَتاقة. غير أن الخبر مقدم على القياس، وإنما ورد الخبر في تنجيز العتق في الحياة؛ فبقّينا الوصية على القياس في اقتضاء التشريك، ورأينا بين العتق في الحياة وبين الوصية بالعتق فرقاً يقطع أحدَهما عن الثاني، ويُخرج الوصية عن كونها في معنى العتق المنجز، والفرق الذي نبديه ناشىء من عين المقصود.

وبيانه أن القرعة تقتضي تكميل العتق لعبدٍ وتكميل الرق في عبد، وكأن للشرع غرضاً في رفع تبعّض الرق والحرية، وهذا لائق بحالة الحياة؛ فإن المريض لو أعتق بعضاً من عبد، وكان العبد بكماله خارجاً من الثلث، فعتقه الموجه على بعض العبد يسري إلى كماله؛ فلم يبعد التكميل في الحياة، والقرعة تنبني عليه، والتكميل بعد الموت ممتنع؛ فإنه لو أوصى بإعتاق بعضٍ من عبد، وكان الثلث وافياً بتمام العبد، فالعتق لا يسري من بعض العبد إلى كماله، فإذا جرت الوصية على القياس، وانقطعت عن مورد الخبر، [تعين] (١) قياس الاشتراك في الوصية حتى لا يحرم البعض.

ثم من سلك هذا المسلك، لم يفصل بين أن يقع الإيصاء بعتق العبيد دفعة واحدة، وبين أن تترتب الوصايا، فالمترتب منها كالمجموع، والخلاف الذي ذكرناه جارٍ في صور الوصية.

١٢١٩٠ - فإذا تمهد ما ذكرناه، عُدنا بعده إلى شرح كلام الشافعي، وبيان اختلاف الناس فيه.

ظاهر ما نقله المزني أنه إذا أعتق عبيداً، فيعتق من كل واحد بعضُه ولا يُقْرع، وهذا في ظاهره يخالف القانونَ وقاعدةَ المذهب، ولكن اختلف أصحابنا في أن كلام


(١) في النسختين: وتعين.