والوجه الثاني - أن البينة مسموعة؛ لأنها ذاتُ حظ في النكاح نفسه، وهو جامع لحقوق مالية، منها النفقة التي تَدِرُّ شيئاً شيئاً، ولو أفردتها بالدعوى، لاحتاجت كلَّ يوم إلى معاودة الدعوى، فإذا سمعنا دعواها في النكاح [وبَيَّنَتها](١)، فيثبت أصل النفقة، وتستغني عن معاودة الدعوى.
هذه منزلة.
المنزلة الثانية - إذا أنكر الزوج أصل النكاح -والقول في هذه المرتبة يترتب على القول في الأولى- فإن قلنا: لا تسمع دعواها إذا سكت الزوج، فلا معنى لسماعها في هذه المرتبة، وإن قلنا: دعواها مسموعة في سكوت الزوج، فإذا أنكر هل تبطل الدعوى بعد ما سُمعت؟ فعلى وجهين مبنيين على قاعدة: وهي أن الزوج إذا أنكر النكاح، ثم اعترف به، فهل يقبل اعترافه، أم يمتنع عليه إثبات النكاح بعد تقديم إنكاره؟ وهذا مختلف فيه. وعندنا أن حقيقة الخلاف في قبول دعوى المرأة تتلقى من هذا. فإن حكمنا بأن اعترافه بعد إنكاره مقبول، وله إذا اعترف أن يغشاها، فالدعوى لا تبطل بإنكاره إذا سمعنا الدعوى في سكوته، وتترتب على الدعوى حقوقها المالية.
وإن قلنا: لا يقبل اعترافه، فلا سبيل إلى إثبات النكاح عليه فيما يتعلق به، ولكن هل تثبت حقوقها المالية عليه؟ ففيه احتمال وتردد.
وكل ذلك وراء قولنا: إنكار الزوج للنكاح، أو لشرط من شرائطه بمثابة الطلاق المُبين، كما قدمنا في ذلك نصَّ الشافعي حيث قال:" إذا قال الرجل: نكحت هذه الأمة، وأنا واجد لطَوْل حرة، قال: هذا طلاق مبين " وقد أوضحنا في الخلع خروجَ هذا النص عن قياس الأصول، ومسيس الحاجة إلى تأويله إن أمكن تأويله، ولا تفريع عليه.
وما ذكرناه من التردد في الاعتراف بالنكاح بعد إنكاره لا يختص بالنكاح، بل كل من أنكر ملكاً وحقاً، ثم زعم أنه غلط في إنكاره، وعاد إلى ادعائه، ففيه الخلاف الذي ذكرناه.