وإن لم تكن بينة تحالفا وترادّا؛ فإنهما متعارضان اختلفا في مقدار المعقود عليه؛ فكانا كالمتبايعين. وإن كانا يقيمان بيّنتين -كلُّ واحد بينةً على موافقته- فإن قضينا بتهاتر البينتين، سقطتا، وكأَنْ لا بينة، فيتحالفان.
وإن قلنا باستعمال البينتين، فقد ذكرنا ثلاثة أقوال في كيفية الاستعمال: أحدها - القرعة، والثاني - القسمة، والثالث - الوقف.
ولا شك أن القسمة لا جريان لها، فإنها إنما تعقد حيث يدعي رجلان شيئاً، وكان كل واحد مدّعياً جميعَه، وذلك الشيء مما يتصور الاشتراك فيه، ففي مثل هذا الموضع تجري القسمة، فأما إذا كان التنازع في النفي والإثبات، كما نحن فيه - فإن المكتري يدعي الكراء في الدار، والمالك ينكر العقدَ فيما يزيد على البيت، فلا تتصور القسمة بين النافي والمثبت.
وقول الوقف لا يجري أيضاً؛ فإن في المصير إليه تعطل المنفعة، وهي المقصودة بالدعوى، فيبقى قول القرعة.
وللأصحاب بعد [التنبيه لما](١) ذكرناه مسلكان - أحطت بهما من مرامزهم، وتفريعاتهم: منهم من قال: الاختلاف في كيفية الاستعمال في الجميع من باب التردد في الأَوْلى، فإذا اجتمعت جهاتُ إمكان الاستعمال في الجميع، اختار كل فريق مسلكاً، وهؤلاء يقولون: إن امتنع المختار، جوزتُ التمسك في الاستعمال بما بقي.
هذا مسلك، فإذاً نعول عليه وإن رأينا القسمة أو الوقف - فإذا تعذرا، نختار القرعة.
ومن أصحابنا من سلك مسلكاً آخر، فجعل كل ما يختار في كيفية الاستعمال متعيناً، حتى لا يجوز فرض غيره، فلا جرم إذا تعذر ما نختاره، حكم بتعذر الاستعمال، وإن كان ما صار إليه الباقون جارياً من طريق الإمكان، فالرجوع إلى التهاتر؛ فإن الاستعمال إذا عسُر، لم يبق إلا التناقض.
وهذا الذي ذكرناه نوضحه فيما نحن فيه، فإذا عسرت القسمة، وامتنع الوقف، وأمكنت القرعة، فمن جعل الاختلاف عند إمكان جميع الجهات راجعاً إلى الأَوْلى،
(١) في الأصل: " البينة بما " وفي (ت ٥): " التنبه لما " والتصرف من المحقق.