للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما إذا كانتا مقيدتين: مثل أن تشهد بينة الإسلام بأنه نطق بالإسلام، ومات عقيبه، وشهدت بينة التنصر أنه نطق بكلمة التنصر ومات عقيبها، فهما متناقضتان في هذه الصورة، فتخرج المسألة على قولي التهاتر (١).

فإن قلنا: إن البينتين تتهاتران، فيجعل كانهما لم تكونا، ولو لم تكن بينة، لكان الأصل بقاء التنصر، وإن قلنا باستعمال البينتين، ففي الاستعمال الأقوال الثلاثة، وهي بجملتها جارية في هذه الصورة، أما القرعة، والوقف، فلا شك في جريانهما، والقسمة جارية عند المعتبرين من الأصحاب.

وحكى العراقيون عن أبي إسحاق المروزي أنه قال: لا يُخرَّج قول القسمة. فإن النزاع آيل إلى الميراث، ويستحيل انقسام الميراث بين مسلم وكافر، وليس كما لو ادعى رجلان داراً عن شراء على صاحب يد؛ فإن قول القسمة عند قيام البينتين يجري؛ فإن الانقسام في الشراء ممكن، ولا يتصور الانقسام في الميراث بين المسلم والكافر.

وهذا الذي ذكره غيرُ معتد به؛ فإن قول القسمة لا يعتمدُ إلا إمكان الشركة في الجنس المدعى، فأما الجهات، فلا نظر إليها؛ فإن القسمة إنما تجري لاستواء المتداعيين في متعلقيهما، وليس أحدهما أولى من الثاني، والتعطيل عند هذا القائل لا سبيل إليه، وليست القسمة لتخيلنا ثبوت استحقاقهما على الانقسام؛ ولم أذكر هذا الوجه لضعفه عند تمهيد الأصول.

وكل هذا فيه إذا عُرف أصل دينه. ثم جرى الخلاف كما وصفنا.

١٢٢٥٧ - فأما إذا لم يعرف أصلُ دينه، ولكن ادعى أحد الابنين -وهو المسلم منهما- أنه كان مسلماً ومات على الإسلام، وادعى النصراني منهما أنه كان نصرانياً، وأقاما بينتين، فهما متناقضتان، والتفصيل فيه كما قدمنا في التهاتر والاستعمال.

ولو لم تكن معهما بينة، ولم يسبق في المتوفى دين يستصحب، فليس أحدهما أولى من الثاني؛ إذ لو أقاما بينتين موافقتين لدعوييهما، لما ترجحت إحدى البينتين على الأخرى، فإذا كانت لا تترجّح بينة على بينة، فلا تترجح دعوى على دعوى،


(١) أي قولي التهاتر والاستعمال.