للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم القاضي في طريقه ذَكَر تفصيلاً دقيق المُدرك، فقال: إذا قال الشاهد: أشهد على ما كان من السبب، ولست أعلم ما يخالفه، فهذا كافٍ. ولو قال: لستُ أدري أكان أو لم يكن، وأبدى هذا إبداءَ مرتاب متشكك غيرِ معتضدٍ باستصحاب الحال، فهذا [يخرم] (١) الشهادة، والفصلُ بين أن يبدي رَيْباً وبين أن يبدي استمراراً، ويعبر عنه بأني لا أدري زوالاً [مستبينٌ] (٢) للفطن، هذا تردد الأصحاب. وهو من الأصول التي يعظم وقعها في العلم والجهل.

ويخرج من كلام القاضي أن البينة لو شهدت على الملك أمس، ولم تتعرض لما يُشعر بالاستمرار والدوام، ولم يقل: " ولا أعلم زوالاً "، ولم يبدِ رَيْباً، فهذا يلتحق بالقولين، ولا يكون شهادة بالملك الناجز.

١٢٢٧٣ - ومن أهم ما يجب الاعتناء به أن البينة لو تحملت الشهادة على إقرار مؤرخ بتاريخٍ في ملك أو يدٍ، ثم فرض تنازع بين المقِر والمقَرّ له، فإذا شهدت البينة على الإقرار السابق، فمعلوم أنها ليست متعرضة لاستحقاق المقر له في الحال، وقد ذكرنا قولين فيه إذا شهدت البينة على الملك في الزمان الماضي، وبيّنا أن الأصح أن البينة مردودة غير مفيدة؛ فإن الخصام ناجز، وتاريخ الملك مقدم، وهذا بعينه يجري في تقدم الإقرار؛ فإن المقر بالملك قد يتلقى الملك بسبب من الأسباب.

وقد ذكر صاحب التقريب في الإقرار طريقين، وشفى الغليل بذكرهما، وقال: من أصحابنا من جعل الإقرار المتقدم حجة باتّة على المقر في مستقبل الزمان، وهذا ما إليه مصير معظم الأصحاب وأقضية القضاة. ولولا ذلك لما كانت في الإشهاد على الأقارير فائدة، والحجة تسقط بمضي ساعة. ومن أصحابنا من قال: الإقرار السابق إذا ثبت، فهو بمثابة شهادة الشهود على الملك فيما سبق من الزمان، وهذا وإن كان منقاساً، فالذي أعتقده فيه أنه خرق لما اتفق عليه الأولون. والقول به مسبوق بالإجماع، وإن اختار القاضي هذه الطريقة الأخيرة ونقلتها عن صاحب التقريب عضداً


(١) في الأصل: " يحزم " بالحاء والزاي المحجمة. وت ٥: " يجزم " بالجيم والزاي المعجمتين، وكلاهما خطأ واضح. والمثبت من عمل المحقق.
(٢) في الأصل: " فبيّن ". وت ٥: " متبين ". والمثبت تصرّف من المحقق.