وفرّق المحققون بين المسألتين بأن قالوا: المطلوب في هذه المسألة الأخيرة الثمن المتعلق بالذمة، والذمة متسعةٌ للثمنين، وإن أمكن ثبوتهما، ثبتا، والنزاع في مسألة الشراء متعلق بالبيع، وهو عين لا تتسع لتحصيل غرضيهما وتحقيق دعوييهما.
ومن أجرى قول التهاتر في المسألة التي نحن فيها؛ احتج بأنهما ما ادعيا دَيْنين في الذمة مطلقاً، وإنما أسنداه إلى عقدٍ، وذلك العقد مرتبط بعين واحدة.
والتفريع على الأصح، وهو الاستعمال، وهذا فيه دقيقة، وهي أنا إن طرَّقْنا قول التهاتر إلى الواقعة، فموجب التهاتر سقوط البينتين، حتى كأنهما لم تكونا، وإن لم نُجر التهاتر أصلاً، فليس ينقدح إلا إثبات الثمنين، وإن أجرينا التهاتر، وأردنا أن نفرعّ على قول الاستعمال؛ ففي المسألة وجهان: أحدهما - أنا نثبت الثمنين، ولا تخرج الأقوال الثلاثة، فينتظم قولان: أحدهما - سقوط الثمنين، حتى كأنْ لا بينة، والثاني - ثبوت الثمنين.
والوجه الثاني - أنا نُجري الأقوالَ الثلاثة على قول الاستعمال: أحدها - القرعة، فيفوز بالثمن من تخرج قرعته، ويخيب الثاني، والثاني - نقف الخصومة. والثالث - نَقْسم؛ فنصرف إلى كل واحد نصف الثمن الذي يدعيه. وهذه الطريقة -وإن ذكرها الأئمة- ليست بالمرضية، والوجهُ القطع بإثبات الثمنين لا غير، إذا كانت البينتان مطلقتين.
١٢٢٨٣ - وتكلف أصحابنا تصوير وقوع البينتين على وجه التناقض، فصوروا وقوع مخبر البينتين متعلقاً بوقت واحد، بحيث نعلم أن ذلك التعيين يضيق عن وقوع واقعين، فإذا تأرخت البينتان بتأريخ واحد -على أقصى ما يمكن فرضه من تحقيق التضييق- فالبينتان متكافئتان، مثل أن تتعرض كل واحدة لتأقيت لفظ الشراء عند بدوّ أول قرصة (١) الشمس، ثم أجروا في هذه الحالة قولي التهاتر والاستعمال، وتفريع الأقوال الثلاثة في كيفية الاستعمال. ثم ذكروا اعتراضَ المزني في البينتين المطلقتين