وهذا لا يليق مثله بقياس مذهب الشافعي رضي الله عنه، فإنه لا يركب إلا متن جادّة الشريعة ولا يميل مثل هذا الميل.
فإن قيل: ما الوجه؟ قلنا: أولاً، ليس يعظم تعطل حق إذا لم تقم عليه حجة، ومعظم الحقوق المجحودة بهذه المثابة، فطريقها أن تدعي خمسين ديناراً من جهة المهر، إن أرادت أن تذكر الجهةَ من غير أن تضيف الخمسين إلى القبول، ومن غير أن تذكر أنها كلُّ المسمى. فإن حلف الزوج: لا يلزمه الخمسون، ونكل عن الحلف على نفي ما دون الخمسين، حلفت المرأة واستحقت الخمسين إلا أقلَّ القليل.
والمشكل في المسألة أن الزوج لو أراد أن يحلف على نفي الخمسين وكل جزء منه (١)، فلا يتصور هذا إلا بتقدير البراءة أو الأداء، فلا يقبل قوله حينئذٍ، وليس كما لو ادعى رجل ديناً مطلقاً، فقال المدعى عليه: لا يلزمني، فإن هذا كما يحتمل البراءة يحتمل نفي أصل الدين، ونفيُ أصل الدين ممكن، ونفي أصل المهر لا يمكن، إلا على مذهب التفويض. فإذا حلف على نفي المهر، تعيّن التفويض، فيفرض القاضي لها مهر المثل -لا وجه غيره- فيحصل به إثبات المهر، والجريان على موجب يمين الزوج.
هذا منتهى القول. وهو الذي عناه القاضي، ولكن لا بد من إجراء المسألة إلى هذا الحد، ولا يجوز ابتدار الفرض بقوله: ما قبلت بخمسين، ويجوز أن يقال: القول قول الزوج في أن لا مسمى؛ فإن الأصلَ عدمُ التسمية، ثم الشرع يحكم بما يرى في النكاح الخالي عن المهر ذكراً.
مسألة: ١٢٣٣٣ - إذا صححنا كفالة البدن، فطلب المدعي من المدعى عليه كفيلاً قبل أن يقيم البينة، وذكر أني أبغي كفيلاً إلى أن أشمِّر لإقامة البينة، وأجمع الشهودَ، فقد جرى رسم القضاة بحمل المدعى عليه على إعطاء الكفيل، وهذا غير واجب باتفاق الأصحاب؛ فإنه لم يَثْبت للمدعي بعدُ حقٌ.
وإن أقام بينة على دين في ذمة المدعى عليه، ولم يُعدَّل شهودُه، فقد قال