للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مطلقاً (١)، نفذ عتقُه، وإن لم يكن مملوكاً له، فلا شك أنه لا يعتِق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم " (٢).

ونقل النقلة عن ابن أبي ليلى أن من أعتق عبد غيره وكان موسراً، نفذ عتقه، وغرم قيمة العبد لمالكه، قياساً على نفوذ العتق في الشقص المملوك للشريك.

ولو قال لعبد الغير: أنت حر، فهذا القول مردود في الحال، ولكن لو ملكه يوماً من الدهر، حُكِم بعتقه، وحُمل قوله السابق " أنت حرٌّ " على الإقرار بحرّيته، ومن أقر بحرّية عبد ثم ملكه، كان مؤاخذاً بموجب إقراره.

وفي هذا لطيفة، وهي أن المالك إذا قال لعبده: أنت حر، فهذا إنشاء عتق منه، وإن كان اللفظ على صيغة الإقرار، وهو كقول الزوج لزوجته: أنت طالق.

فكان قول المالك: " أنت حرٌّ " متضمناً إنشاء تحرير، وهذا مما اعتضد اللفظ فيه بغلبة الاستعمال، وانضم إليه أنه لو كان مقراً، لكان مؤاخذاً بإقراره، فجعل هذا إنشاءً.

فإذا قال لعبد الغير: " أنت حرٌّ "، فلا مساغ لإنشاء التحرير، فنفذ اللفظ إقراراً، وكذلك لو قال لعبد الغير: " قد أعتقتك ". قال القاضي: قد يؤكد معنى المضي إذا انضم إلى الصيغة التي تسمى الفعل الماضي، فكان ذلك إقراراً بالحرية، كما لو قال: أنت حر.

وفحوى كلامه دالة على أنه لو قال: " أعتقتك "، لم يكن ذلك إقراراً، وإن كانت الصيغة في أصل الوضع للإخبار عما مضى، ولا فصل عندي بين قوله: " أعتقتك " وبين قوله: " قد أعتقتك "، فإنه إن ترجح أحدهما على الثاني في تأكيد، لم ينته ذاك


(١) مطلقاً: أي غيرَ محجور.
(٢) حديث " لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم " رواه أبو داود، والترمذي، وأحمد، والبيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. قال الترمذي: " حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب ".
وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح. (ر. أبو داود: الطلاق، باب في الطلاق قبل النكاح، ح ٢١٩٠، الترمذي: الطلاق، باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح، ح ١١٨١، المسند: ١١/ ٤٨ ح ٦٧٨٠ (طبعة شاكر) البيهقي: ٧/ ٣١٨، نصب الراية: ٣/ ٢٧٨).