للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم لو كان الدين ثلثاً مثلاً، والعتق مقداراً يخرج من الثلث بعد الدين، فأردنا أن نثُبتَ ثلاثَ رقاع: واحدة للدين، وواحدة للعتق، وواحدة للورثة، ففي جواز ذلك وجهان: أحدهما - أنه يجوز؛ فإنه لا ينتقص بما نفعله حقٌّ. والثاني -وهو الأصح- أنه لا يجوز؛ لأن قرعة العتق ربما تخرج أولاً، فإن لم نحكم بها، فقرعة باطلة، وإن حكمنا بها، فقد نفذنا الوصية، والدينُ بعدُ قائم، وهذا لا وجه له.

ثم الذي نراه في ذلك أنا إذا فرّعنا على الوجه الصحيح بين الدَّين والتركة، فخرجت قرعة الدين على عبدٍ، وكان فيه غُنية، فلا ينبغي أن نُقرع للعتق ما لم نؤدِّ الدين؛ فإن الدين لا يزول بتعين مالٍ له؛ بدليل أن ما يُعيَّن له لو تلف قبل التسليم، انعكس الدين على ما بقي من التركة، فلا وصية ولا ميراث ما بقي من الدين درهم.

ولو قيل: نُخرج القرعةَ على الحرية، ثم لا يقع الحكم على البت إلى تأدية الدين، فهذا فيه نظر؛ فإنها قرعة لا نفاذ لها، ووضع القرعة ألا تنشأ إلا في وقت ينفصل بها الأمر.

وهذا التردد في مضمون هذا الفصل دائر على [الوجوب] (١)، لا على الاستصواب. وهذا سر الباب. وهو تمييز الاحتياط عن الاشتراط.

١٢٣٧٢ - ثم قال: " فإن ظهر عليه دين بعد ذلك ... إلى آخره " (٢).

إذا أعتقنا واحداً بالقرعة، ولم ندر أن في التركة ديناً، ثم ظهر دين فإن كان مستغرقاً، فالعتق مردود، وإن لم يكن مستغرقاً، وكان تأدية الدين ممكناً مع تنفيذ العتق، فهل تُنْقَضُ القرعة؟ وهل تُردُّ الحرية؟ في المسألة قولان، وهذا بعينه هو الذي مهدناه في باب القسام، إذا (٣) قلنا: إذا جرت قسمةٌ ثم ظهر دين، فالقسمة هل يتبين انتقاضها؟ أم يمكن تقريرها؟ وقد سبق تمهيد هذا، وسيأتي في فروع ابن الحداد كلام جامعٌ فيما يَنْفُذ من التصرفات في التركة مع الدين، وفيما يمتنع نفوذه.


(١) في الأصل: " الوجوه "، والمثبت من (ت ٥).
(٢) ر. المختصر: ٥/ ٢٧٠.
(٣) إذا: بمعنى " إذ ".