للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ما ذكرناه جارٍ في جميع التبرعات إذا انتهت نهاياتها.

فلو أعتق، ثم حابَى، فالعتق مقدم، ولو حابى، ثم أعتق، فالمحاباة مقدمة، ولو وهب وسلم، ثم أعتق، فالهبة مقدمة؛ طرداً للقياس في جميع التبرعات.

ولو وهب ولم يسلم، ثم حابى، فالمحاباة مقدمة، ولا اعتبار بالهبة من غير إقباض، ولأبي حنيفة تفصيل في المحاباة والعتق، لسنا له بعد ما أوضحنا مذهبنا.

ثم قد أجرينا في مسائل الطلاق (١) وغيرها أموراً متفرعة على هذه القاعدة. فلو قال: سالم حر، وغانم حر، فقد قدم سالماً في إيقاع العتق به، ولا نظر إلى أن الواو لا تُرتّب، وهو كما لو قال لامرأته التي لم يدخل بها: أنت طالق وطالق؛ فإنه لا تلحقها إلا الطلقة الأولى.

ولو أوصى بإعتاق سالم بعد موته، ثم أوصى بعد ذلك بإعتاق غانم، وجرت إحدى الوصيتين بعد الأخرى من طريق الزمان؛ فإذا ضاق الثلث، أدخلنا جميع العبيد في القرعة، ولا حكم للتقدم والتأخر في الوصايا، والسبب فيه أن الموت يجمع الوصايا، وإنما تنفذ عند الموت، فلا حكم لترتيب ذكرها والموت جامعها إلا أن يصرح باعتبار التقديم في بعضها، كما مهدنا ذلك في الوصايا.

واختلف أصحابنا في صورةٍ، وهي أنه لو دبّر عبداً، وأوصى بإنشاء عتق عبد آخر بعد موته، فالتدبير يقتضي وقوعَ العتق في المدبر بالموت من غير إيقاع، والعتق الموصى بإنشائه يستأخر وقوعه عن الموت لا محالة، فهل يقدم عتقُ المدبر على العتق الموصى به؟ ذكر صاحب التقريب في ذلك وجهين: أحدهما - أنا نقدم عتق المدبر فيما نبهنا عليه، ولعل الأصح أن لا تقديمَ؛ فإن العتق الموصَى به يصير مستحقاً بالموت، فليقع التعويل على الاستحقاق، لا على الإنشاء.

وليت شعري ماذا يقول صاحب الوجه الأول فيه إذا قال: أعتقوا يوم موتي عبداً، وأعتقوا بعد موتي بشهر عبداً، والعلم عند الله.


(١) ت ٥: " مسائل الرقاب ".