للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو قال: أعتق أم ولدك عني ولك مائة، فأعتقها، فلا شك أن العتق لا يقع عن المستدعي؛ فإن وقوع العتق يستدعي لا محالة تقديرَ نقل الملك إلى المستدعي، وهذا غير ممكن في أم الولد. ولكن المذهب أن العتق ينفذ في المستولدة، ولا يثبت العوض؛ فإنه قيّد استحقاق العوض بوقوع العتق عنه (١).

وذكر الشيخ وجهاً غريباً أن العتق لا ينفذ؛ فإنه إنما أعتقها على استحقاق العوض، فإذا لم يَسْلم العوض، لم ينفذ العتق، وهذا خطأ غيرُ معتد به؛ فإن من أعتق عبداً عن كفارته، وكان بحيث لا يجزىء عن الكفارة، فالعتق ينفذ، وإن لم تبرأ الذمة عن الكفارة (٢).

ولو قال: أعتق أم ولدك، ولك مائة، ولم يقل: أعتقها عني، فالذي قطع به الأئمة أنه يستحق العوض، كما ذكرناه في العبد القن إذا قال: أعتقه، ولم يقل: عني، [وكما ذكرناه أيضاً في اختلاع الأجنبي إذا قال: طلّق زوجتك وعليّ ألف، فإنه يلزم الألف.

ونقل وجهاً آخر -في أم الولد- أنه لا يلزم العوض] (٣) وهذا غريب جدّاً (٤).


(١) " وقيل يستحق العوض، ويُلْغى قولُه: عنّي، ويجعل باقي الكلام افتداء " قاله النووي في الروضة: ٨/ ٢٩٢.
(٢) خالف الغزالي إمامه في ذلك فقال معقباً على هذا بعد أن نقله عن الإمام: " وعندي أن هذا الوجه متجه، ويجري في مسألة الكفارة أيضاً؛ بناء على أن من حاول في تصرفه محالاً، يلغى أصل كلامه، والقدر المحال، كما إذا قال: اشتريته لزيد، وزيد لم يأذن له، لم يقع عن زيد، وهل يقع عن المشتري؟ وجهان. وكذلك إذا قال: أعتقت عن زيد، فلا يبعد أن يؤاخذ ببعض كلامه ويلغى الباقي، بل هو منقاس ". (ر. البسيط: ج ٦ صفحة رقم ٣٨١ مخطوطة مرقمة الصفحات).
وأقول: لم يحك هذا الوجه القائل بعدم وقوع العتق -فيما رأينا- غير إمام الحرمين والغزالي في البسيط، فلم أره في (البيان) للعمراني، ولا في الروضة للنووي، ولا في الشرح الكبير للرافعي، ولا في التهذيب للبغوي، مع عرضهم للمسألة، وقطعهم بنفوذ العتق، وذكرهم أن المذهب عدم استحقاق العوض، أو الأصح عدم استحقاقه.
(٣) ما بين المعقفين زيادة لا يستقيم الكلام بدونها، حيث سقطت من النسختين، وزادها المحقق على ضوء السياق والسباق، مع الاستعانة بألفاظ وعبارات المصادر التي عرضت المسألة.
(٤) لم يذكر النووي هذا الوجه، واكتفى بقوله: "وإذا قال: أعتق مستولدتك على ألف، =