ثم أجرى في أثناء المسألة أن من قال من أصحابنا: لا يغرم المغرور شيئاً، فتفريعه كذا، وهذا يوهم أن ما ذكره وجه، ولست أثق بهذا، وقد انعقد الإجماع على خلافه، وجرى به قضاء عمر رضي الله عنه (١).
وقد ذكر الشيخ في صدر المسألة أن هذا قياسٌ غير معمول به والإجماع على خلافه.
ومما زاده أن قال: من أصحابنا من ذهب إلى أن الولد يمسّه الرق، ثم يعتِق بسبب الغرور، وهذا غريب جداً، لم أره لغيره، فلا أعدّه من المذهب.
١٢٤٢١ - ثم نرجع إلى صورة المسألة: قال ابن الحداد: إذا غُرّ الرجل بأمة وجاء الولد على الغرور حراً كما ذكرنا، فلو بان أن الجارية كانت لأب المغرور، فالمذهب أنه يغرم قيمةَ الولد جرياً على قياس الغرور.
ولو نكح جارية أبيه على علمٍ، لكان الولد يعتِق على الجد، وإذا جرى الغرور على جهلٍ من المغرور بأن الجارية لأبيه، فالغرم واجب.
وقد حكى الشيخ وجهاً أنه لا يجب الغرم، فإن تقدير الرق في الولد مما لا ينتفع به الأب. فإنه يعتق عليه لا محالة. فإذاً لم يفته بسبب الغرور رقٌّ ينتفع به، وهذا ينبه على أمر آخر، وهو أن الابن إذا نكح جاريةَ أبيه، فقد ذكرنا أن الرق لا يبقى في الولد، وإن كان الابن عالماً، فظاهر كلام الأئمة أنه لو كان كذلك، لقلنا: ينعقد رقيقاً، ثم يعتِق على الجد، وهذا كما لو اشترى أو اتهب من يعتق عليه، فالملك يحصل، ثم يترتب عليه العتق. فوجود الولد من جاريته سبب في تملك الولد، فليحصل الملك فيه ثم يعتق.
وهذا فيه أدنى احتمال؛ فإن انعقاد الولد حراً ليس بدعاً، ويستحيل شراء لا يفيد ملكاً، وكذلك الإرث وغيرهما من أسباب الملك، ولا يستحيل علوقٌ على الحرية.
(١) أثر عمر عزاه الحافظ إلى البيهقي من حديث الشافعي عن مالك (ر. التلخيص: ٤/ ٣٩١ ح ٢٧٠٦).