ما ذكرناه من مراجعة القاضي، أو نصب قيم من جهته. وهذا كله في طريان الجنون على الكتابة الصحيحة.
١٢٥٠٩ - فأما إذا كانت الكتابة فاسدة، وفرض طريان الجنون عليها، فظاهر كلام الشافعي في الجنون الطارىء على المولى أنه يتضمن انفساخ الكتابة كالموت، وقد ذكرنا أن موت المولى يوجب انفساخ الكتابة الفاسدة، وظاهر ما نقله على الاتصال بذلك أن المكاتَب لو جُنّ والكتابةُ فاسدة، لم تنفسخ الكتابة بجنونه، وهذان النصان متعاقبان على التضاد في سطر واحد من غير تنبيهٍ على التردد، واختلاف القول فيه، وهذا مشكل في نظم الكلام جداً.
والرأي أن نذكر المذهب في هذا، ثم نتكلم على النص، فنقول: إذا طرأ الجنون على أحدهما في الكتابة الفاسدة، فحاصل المذهب ثلاثة أوجه: أحدها - أن الكتابة لا تنفسخ، وهذا هو الأقيس والأصح؛ فإن الكتابة الفاسدة وإن كانت جائزة، فمصيرها إلى اللزوم، كما ذكرناه في البيع في زمان الخيار. والوجه الثاني - أن الكتابة تنفسخ بطريان الجنون إما على السيد وإما على المكاتب، فإنها جائزة من الطرفين، والعتق لا يحصل بها، وإنما يحصل بجهة التعليق.
والوجه الثالث - أن الكتابة تنفسخ بجنون المولى، ولا تنفسخ بجنون المكاتب، وهذا ظاهر النص (١)، فإن الكتابة الصحيحة جائزة في جانبه، ثم لا تنفسخ الكتابة الصحيحة بجنونه. هذا تصرف الأصحاب في المذهب.
فأما الكلام على النص؛ فللأصحاب فيه طريقان: منهم من قال: النص محمول على الكتابة الصحيحة، ووجه الفرق بين المولى والمكاتب عند هذا القائل أن المولى لو قبض في جنونه، لم يصح القبض منه، كما قدمناه، ولو فرض الجنون من المكاتَب، فقبْضُ المولى منه صحيح. وهذا قد فصلناه.
وما ذكره هؤلاء مستقيم في المذهب. ولكنه بعيد عن نظم اللفظ؛ فإن الشافعي
(١) هنا لحق في هامش الأصل غير مقروء كاملاً، ونصّه: " ووجهه أن الجواز في جانب المكاتب لا مبالاة بوضع القلم " ا. هـ.