للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

توجيه القولين: من منع الإقراع احتج بأنه لو كان له غريمان، وهو يستحق على كل واحد منهما مقداراً من الدين، فقال: استوفيت ما كان لي على أحدهما ومات قبل البيان، ولم يبين الورثة، فلا إقراع، فالإقرار باستيفاء النجوم بهذه المثابة.

ومن أقرع، احتج بأن قال: المطلوب العَتاقة، والاستيفاء يقع ضمناً، والقرعة تجري في استبهام العتق.

فإن جرينا على إجراء القرعة -وهو الأصح- هان التفريع، وإن فرّعنا على أن القرعة لا تجري، فالذي يقتضيه ظاهر القياس الوقفُ إلى اصطلاحٍ، أو بيانٍ، أو قيامِ بينة.

وقد ينقدح في التفريع على هذا القولِ الضعيف أن يقول الوارث: قد امتنع المكاتبان جميعاً، وإنما العتيق أحدهما بحكم إقرار المولى، والامتناع يثبت حق الفسخ، فلو قال: فسخت الكتابة فيكما، لم يمتنع نفوذ الفسخ في الكتابة الثانية في علم الله تعالى، وجاز أن يقال: هذا بمثابة ما لو قال من له حق التعجيز: للمكاتَبِ وعبدٍ قنٍّ معه أو حُرٍّ: عجزتكما، فالتعجيز ينفذ على من يقبل التعجيز، ويلغو في الآخر، ثم ترتب على ذلك أن أحدهما (١) حر، والثاني رقيق، وقد استبهم الأمر، فيقرع (٢) بينهما.

وفي أصل المسألة غائلة عظيمة، وهي أن من أعتق عبداً من عبدين على التبيين، ثم استبهم الأمر، فلا يقرع، وإنما الإقراع في موضعين: أحدهما - أن المريض إذا استوعب التركة بالإعتاق، واقتضى الشرعُ إرقاقَ بعض العبيد وإعتاقَ بعضهم، فهذا أصل القرعة ومحلها، وفيه ورد حديث عمران، والمحل الثاني للقرعة أن يبهم السيد الإعتاق، ولا يعين بقلبه ويموت، فالإقراع يعمل إذا لم يَقُم الوارثُ مقام الموروث، على ما فصلناه في بابه.

فأما إذا تعيّن العتق وقوعاً، ثم استبهم، فلا جريان للقرعة، والحالة هذه،


(١) أحد المكاتبين في أصل المسألة، وليس في المثال المضروب لبيان إلغاء العبارة فيما لا تصح فيه.
(٢) أي أن الوارث فسخ الكتابة فيهما، وأحدهما لا بعيانه حرٌّ بإقرار المورّث، فيقرع الوارث بينهما.