وحكى الشيخ أبو علي عن ابن أبي هريرة أنه يصح من المكاتب بيع أبيه وولده، وهذا غريب، لم أره إلا للشيخ في شرح الفروع، ولا يجوز الاعتداد بذلك، وفيه هدمُ أصلٍ عظيم في المذهب، وهو تكاتب الولد (١) -على ما تقدم التفصيل فيه- ولو صح هذا للزم على قياسه تجويز بيع الولد الذي تأتي به جاريته منه، فإن طرده كان خارقاً للإجماع، وإن لم يطرده كان ناقضاً لمذهبه.
ومما يتصل بذلك أنه إذا جُوّز للمكاتب بيع أبيه وولده، فينبغي ألا يُمنع الشراء فيهما؛ فإنهما ينزلان منزلة سائر العبيد، وهذا تخليط لا سبيل إلى التزامه.
ولو اتهب نصف ما يعتق عليه، ثم عَتَق المكاتب، فيعتِق عليه ذلك النصفُ الذي ملكه، وهل يسري الآن إلى النصف الثاني؟ قال ابن الحداد: يسري العتق إلى النصف الثاني إن كان المكاتَب موسراً يوم العتق، فإنه يملك نصفه قصداً، فاقتضى ذلك السراية، وقال القفال: لا يسري العتق. فإن السراية لم تثبت ابتداء، فلا تثبت بعدها. قال الشيخ أبو علي: الصحيح ما قاله ابن الحداد، فإن السراية ما تأخرت عن العتق، ولكن العتق حصل يوم العتق للمكاتب.
فرع:
١٢٥٩٥ - ظهر اختلاف الأصحاب في أن العبد إذا وُهِب له شيء، فقَبِله من غير إذن سيده، فهل يصح منه قبوله؟ فعلى وجهين سبق ذكرهما في مواضع، وإذا صح قبوله، دخل ما قبله في ملك السيد، فلو وُهب للعبد أَبُ سيده، فإن كان السيد فقيراً بحيث لا يلزمه نفقَةُ القريب، فقبِل العبد الهبة -والتفريع على تصحيح قبوله للهبة- فيدخل أب السيد في ملك السيد، ويعتق عليه.
وإن كان السيد موسراً، وكان أبوه القن كسوباً بحيث لا تجب نفقته -والتفريع على صحة قبول الهبة- فيصح، ويدخل في ملك السيد، ويعتِق عليه.
ولو كان الأب زمِناً بحيث لو عَتَق على ابنه الموسر، لاستوجب النفقة بالقرابة.
فإذا قبله العبد منفرداً بالقبول، فلا يصح منه القبول؛ لأن فيه إضراراً بالسيد، ولو قبل
(١) يشير إلى أن ولد المكاتب -على المذهب- يتبع أباه في عقد الكتابة، ويعتق بعتقه. هذا معنى قوله: " تكاتب الولد ".