للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

-١ -

تاريخ الفهارس وعناية أمتنا بها

رأى الناس أول ما رأَوْا الفهارس العلمية في مطبوعات المستشرقين المحققة، حيث وجدوهم يُلحقون الكتب بألوانٍ وأفانين من الفهارس مرتبةً على حروف المعجم، فمن فهرس للأعلام، ومن فهرس للشعراء، ومن فهرس للقبائل، ومن فهرس للأسانيد، ومن فهرس للألفاظ التي فسّرها المؤلف ... إلى غير ذلك بحسب ما يليق بكل كتاب.

رأى الراؤون ذلك، فظن منهم كثيرون أن هذا أمرٌ عن بِدْع المستشرقين، أو (إبداعهم) -كما يحلو لهم التعبير بذلك- حتى وقع في وهم الكثيرين -وبعضهم من أهل العلم- أن صناعة الفهارس شيء لم يعرفه علماؤنا وأئمتنا.

وهذا خطأ كبير، ووهم غليظ، أوقعهم فيه خضوعهم وخنوعهم لكل ما يجيء من الغرب؛ فإن صروف الزمان التي أزرت بنا، وجعلتنا في ذيل الأمم، جعلت الكثيرين منا -للأسف- مقهورين مهزومين، عيونهم على الغرب البازغ دائماً، يَعْمَون عما كان من أُمتنا وأئمتنا في أيام ازدهار حضارتنا، أيام أن كان لنا القيادة والريادة للبشرية نحو ألف عام.

نعم، سبقت أمتنا إلى الترتيب المعجمي (الألفبائي) سبقاً بعيداً؛ "فإن أول معجم هجائي إنجليزي لم يظهر إلا في القرن السابع عشر، ولم يكن معجماً بالمعنى المعروف، إنما كان مجموعة كلمات صعبة دراسية، وأول معجم لطيني (١) (لاتيني) ظهر في أوربة كان في القرن الثالث عشر أو بعده" (٢).


(١) يرى شيخنا العلامة الشيخ أحمد شاكر أن هذا هو الرسم الصحيح لكلمة (لاتيني).
(٢) عن مقدمة الشيخ أحمد شاكر لسنن الترمذي: ٤٦.