للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - في مجال الحديث:

مبكراً منذ القرن الأول، وقبل الإذن بتدوين الحديث (١) بدأ تدوين الأطراف، وقد جمع العلامة المحدّث الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله - عشرةَ نصوص شافية كافية شاهدة بالسبق المبكر إلى تدوين الأطراف، نكتفي منها بشاهد واحد:

"جاء في سنن الدارمي: ١/ ٩٩ في (باب من لم ير كتابة الحديث) قولُ الإمام الدارمي: أخبرنا إسماعيلُ بنُ أبان، حدثنا ابنُ إدريس، عن ابن عون، قال: رأيت حمادَ بنَ أبي سليمان الكوفي التابعي المتوفى سنة ١٢٠هـ شيخُ الإمام أبي حنيفة- يكتب عن إبراهيم (٢) فقال له إبراهيم: ألم أنهك -يعني عن كتابة الحديث-؟! قال: إنما هي أطراف".

فهذا نص ناطق مبين يشهد بأن كتابة الأطراف بدأت في القرن الأول؛ فقد كتب حمادُ بنُ أبي سليمان أطرافاً عن إبراهيم النخَعي المتوفى سنة ٩٦هـ على حين كان دأبهم النهي عن كتابة الحديث في تلك الحقبة.

وقد عقب العلامة أبو غدة على هذه النصوص قائلاً:

"فهذه عشرةُ نصوص -وغيرها كثير- تُفيد أقدمية كتابة الأطراف، التي هي نوع من الفهرسة، وتفيد شيوعَها وانتشارها في ذلك العهد القديم بينهم، وقد كانت في القرن الأول والثاني من الهجرة عملاً خاصاً جزئياً، يقوم به المحدّث لنفسه، ليستذكر به الأحاديث.

ثم غدا هذا العمل في القرن [الثالث] (٣) الهجري وما بعده من القرون المتأخرة


(١) كان شيوخ الحديث وحملته ينهَوْن تلاميذهم الذين يحضرون مجلس السماع عن اصطحاب أدوات الكتابة، ويحذورنهم من كتابة الحديث؛ لئلا ينصرفوا عن الحفظ والاعتماد على الذاكرة؛ حيث كانوا يَرَوْن الحفظَ أدقَّ وأضبطَ من الكتابة، ولكنهم مبكراً أذنوا بتدوين الأطراف، إلى أن أذنوا بتدوين الحديث في مطلع القرن الثاني أو قبله بقليل.
(٢) هو إبرهيم النَّخَعي، الكوفي، التابعي المتوفى سنة ٩٦هـ.
(٣) في الأصل: "الرابع" وأظنه سبق قلم، كما هو ظاهر من السياق، وكما سترى في التأريخ والاستشهاد بعمل من توفي سنة ٤٠١هـ.