"ومن ذاق عرف" فلو كانت هناك فهارس لمجموع النووي، والروضة، والشرح الكبير للرافعي، لو كان هناك فهارس لهذه الكتب -التي كانت مراجع أصيلة لتحقيق هذا الكتاب- لخففت كثيراً من العناء الذي لقيناه أثناء البحث فيها عن النقول عن إمام الحرمين، وتدقيق الأعلام، وأسماء الكتب، بل وضبط المسائل.
ولقد خففت شيئاً من هذه المعاناة حين قمتُ بما يشبه الفهرس، إذ تتبعت الأعلام الواردة في هذه الكتب وميزتُها وأظهرت مكانها بلونٍ فاقع من ذلك (الماركر) الفسفوري وكذلك ميزت كل موضع ذكر فيه إمام الحرمين بلونٍ آخر، مما خفف بعض المعاناة، وساعد نوعاً ما في الوصول إلى المراد.
وانظر إلى ما كان من العلامة الطناحي حين كان يحقق (الغريبين) للهروي، واحتاج إلى مراجعة (غريب الحديث) لأبي عبيد، فما تيسّر له ذلك إلا بعد أن تجشم صنع (فهرسٍ للألفاظ والمواد اللغوية) لهذا الكتاب (١).
صناعة الفهارس في ميزان العمل العلمي:
يظن بعض من لم يتمرس بالبحث، ويتدرب على استخدام وسائله وأدواته، ومنها الفهارس العلمية- أن صناعة الفهارس هي مجرد جمع وترتيب، ولا تتصل بالعمل العلمي، ولا تمت إليه بسبب، ولكن من له أدنى تأمل يدرك أن هذا عمل علمي جاد، فصناعة الفهارس في حقيقة أمرها تحليلٌ للنص المفهرس، ولا يكون هذا التحليل إلا بعد فهمٍ عميق للنص -أي الكتاب- المراد فهرسته، فهمٍ يدرك مراميه، ويحيط بمغزاه، ويتذوّق لغته، ويفقه منهجه ... عندها يستطيع أن يصنع فهارسه.
ْ ويدلك على هذا ما يكون من التفنن في الفهارس وابتكار أنواعها، مما يشهد بفقه مضمون الكتاب المفهرس، وإحاطة المحقق به.
ويتحدث شيخنا العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة عن صناعة الفهارس، وأنها ضرب من التأليف، فيقول: "هذا العمل فيه بَذْلُ جهد كبير، وتحمل مشقاتٍ كثيرة؛ فقد صار نوعاً من أنواع التأليف، والإتقان فيه صعبٌ وعَسِر، ويحتاج إلى حَبْس النفس عليه
(١) من معنى كلامه في المقال الذي أشرنا إليه في التعليق السابق.