في صنع فهارس هذا الكتاب (١)، نظراً لما يذهب من الوقت في تأليف فهارسه وضبطها وإتقانها ... ، فقد أخذ مني صُنع هذه الفهارس وضبطها ... ومقابلتها بالكتاب أكثر من ثلاثة أشهر -مع بعض أعمال صغرى خفيفة- فتمنيت لو كنت صرفت ذلك الزمن في خدمة كتابٍ آخر، ولكن ما كل الأماني تُرتضى! ".
فظن أن الشيخ قد ندم على إنفاق هذه المدة في صنع هذه الفهارس، وأن الأولى، أو الأصوب، كان إنفاق هذا الوقت في خدمة كتاب آخر، ولكن هذه قراءة غير صحيحة لعبارة الشيخ؛ فالشيخ يقول: "وما كل الأماني تُرتضى" أي هناك ما يتمناه المرء، وتنازعه إليه نفسه، ولكنه ليس مقبولاً، ولا مرضياً.
وربما ساعد على هذا الفهم الخاطىء تعليقُ الشيخ أبي غدة على عبارة العلامة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد؛ إذ قال: "وصدق الشيخ" أي صدقه في جوابه للأستاذ فؤاد سيد عندما سأله: لماذا لا تهتم بفهرسة ما تنشر يا مولانا؟ فأجاب: أمن أجل خمسةَ عشرَ مستشرقاً أُضيِّع وقتاً هو أولى بأن يُصرف إلى تحقيق كتاب جديد؟ "
فعلّق الشيخ أبو غدة قائلاً:"وقد صدق الشيخ؛ فإنها -أي الفهارس- تذهب
بالوقت الثمين، ولا يشعر به القارىء" انتهى
ولكن الشيخ أبا غدة -في الواقع- يُصدّق الشيخَ (محمد محيي الدين عبد الحميد) في "أن الفهارس تأكل الوقت الثمين، ولا يشعر به القارىء" ولكنه لم يوافقه على منهجه في ترك الفهرسة.
وقد قطع الشيخ أبو غدة هذا الوهمَ في فهم كلمته، بما كان من عمله حتى وفاته، فلم يخرج له كتاب من غير فهارس علمية شافية كافية، ليس الكتب التراثية فقط بل حتى كتبه المؤلفة مثل كتاب (تراجم ستة من فقهاء العالم الإسلامي).
بل إن العلامة الطناحي الذي نقل عبارة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد عن الفهارس هو الذي قال عنه في كتابه نفسه:
"على أن الشيخ محيي الدين لم يهمل الفهارس بمرة، فقد صنع فهرساً جامعاً لألفاظ
(١) يقصد كتاب (الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء)، لابن عبد البر.