الانسلال عن الهيئة المطلوبة مضطرب، والفعل فيه تركٌ للأولى، وإذا تعدى الفعلُ هذا المسلك أيضاً، وانتهى إلى الانسلال عن السكون الذي يتميز فيه المصلي عن غير المصلي، فهو المبطل.
وعبَّر القفال عن هذا، فقال: كل مقدار من الفعل إذا رآه الناظر من بُعدٍ، غلب على ظنه أن صاحبه ليس في الصلاة، فهو الكثير، فهذا هو المعتبر، وقد ثبت في مضمون الآثار وقول الأئمة أن الصلاة لا تبطل بخطوتين متواليتين، وتبطل بالثالثة وِلاءً، وكذلك لو فرضت ضربتان، فالضربة الثالثة كالخطوة الثالثة.
فليتخذ الناظر هذا معتبرَه. وليس الرجوع في هذا التقريب إلى العدد؛ فإن من حرّك إصبعه مراراً كثيرة، لم يقابل ذلك خطوة، ولست أنكر أن التعديد والتقطيع أمر معتبر في هذا الباب؛ فإن الخطوة الواحدة لا تبطل، ولو قطَّعها المصلي، فجعلها ثلاث خطوات متواليات، لبطلت، فإن الخطو الوساعَ إن اتحد لا يعد كثيراً، وإذا تقطع عُدّ كثيراً، ولست أنكر أنه إذا خطا خطوتين واسعتين جداً وِلاءً، فإنهما في العرف قد يوازنان ثلاث خطوات. وقد اضطرب جواب القفال في أن الحركات الكثيرة في إصبع أو كفّ كحركات من يعقد ويحل، أو كحركات من يدير المسبحة هل تبطل الصلاة؟ فقال مرّة: جنس هذه الأفعال لا تبطل الصلاة؛ فإنها في طرف وكُثْر البدن (١) ساكن، وهيئة الخشوع غير مختلة.
وقال مرة: كثيرها يبطل. معتبراً برتبة الخطى والضربات.
٩٢٢ - ثم تمام القول في ذلك أن ما استبنَّا بلوغَه حدَّ الكثرة، فمبطل، وما استبنَّا وقوعَه في حدّ القلة، فهو غير مبطل، وما ترددنا فيه، فينقدح فيه أوجه: أحدها - استصحاب صحة الصلاة.
والثاني - الحكم بالبطلان؛ فإنا مؤخذون بالإتيان بهيئة مطلوبة، ونحن شاكون في الإتيان بها وامتثال الأمر فيها.
والثالث - أنا نتبع غلبة الظن، فإن استوى الظنان، فالأصل دوام صحة الصلاة،