للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بين سجدتي السهو، وبين سجدة التلاوة في هذا، إلا أن سجدة التلاوة فَرْدة، والسهو سجدتان. ونحن نقطع بأن لا يعود الساجد على هذا القول إلى الصلاة. ولو أحدث، لم تبطل صلاته أصلاً.

وقد قال أبو حنيفة (١): إنه يسلم، ثم يسجد، وزعم أنه يعود إلى الصلاة، فلو أحدث، بطلت صلاته، وهذا كلام متناقض، ولا معنى للخروج من الصلاة والعود إليها، وهذا مذهب لم يصر إليه أحد من أصحابنا في التفريع على هذا القول. فإن رأينا أن يتشهد: اشتراطاً، أو استحباباً، كما يفعل ذلك في سجدة التلاوة، فإنه يتشهد بعد السجدتين، كما ذكرناه في سجود التلاوة.

وحكى الشيخ أبو علي عن الأستاذ أبي إسحاق أنه كان يقول حيث انتهينا إليه في التفريع: إنه يتشهد قبل السجدتين، لتقع السجدتان آخراً، وفي سجود التلاوة يتشهد بعد السجود. وهذا متروك عليه، وهو غير معدود من المذهب. وقد اعتمد فيه على تقديم السجود على السلام؛ إذ تخيل تقديمَ التشهد على السجود، هذا إذا أراد السجود متصلاً.

فأما إذا سلم وطال الفصل، ثم أراد أن يسجد سجدتي السهو بعد طول الفصل، فقد ذكر الصيدلاني وجهين: أحدهما - أنه لا يقع الموقع، وطول الفصل يفوّته؛ فإن السجود وإن كان يقع بعد التحلل، فهو متصل بالصلاة، فيجب رعايةُ حقيقة الوصل فيهما، وهذا كالتسليمة الثانية إذا أمرنا بها، فإنها تقع بعد التحلل بالتسليمة الأولى، ولكن شرط الاعتداد بها أن تكون متصلة.

والثاني - أنه يقع الموقع وإن طال الفصل؛ فإنه في حكم الجُبران لما وقع في الصلاة وهو مشبه بجبرانات الحج، ثم الجبرانات إن وقعت في الحج أجزأت، وإن وقعت بعده متصلة، أو منفصلة أجزأت.

ثم إن قلنا: إذا انفصل وطال الفصل، فقد فات السجود، فينزل هذا منزلة سجدة التلاوة إذا فاتت، وقد ذكرنا قولين، في أنها هل تقضى أم لا؟ ويجري القولان في سجود السهو لا محالة.


(١) ر. بدائع الصنائع: ١/ ١٧٤.