للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٩٩٨ - ونقل بعض الناس من مذهب أبي حنيفة (١) أن الترتيب ليس بمستحق، وهذا غير صحيح من مذهبه، ولكنه يقول: لو ترك أربع سجدات من أربع ركعات، فأعمال الركعات محسوبة، وعلى من ترك السجدات الأربع أن يأتي بأربع سجدات وِلاء في آخر الصلاة، فإذا فعل ذلك، انجبر النقصان، وانقطعت السجدات على مواقعها. وحقيقة مذهبه أن يقول: إذا أتى في كل ركعة بسجدة واحدة، فقد تقيدت كل ركعة بسجدة، والركعة المتقيدة بسجدة في حكم ركعة تامة عنده، ولو أخَّر أربع سجدات قصداً من الركعات، فإنه يأتي بها وِلاء عنده في آخر الصلاة، وتصح الصلاة.

ولو أخلى الركعات عن السجدات كلها، فإن كان ذلك عمداً، بطلت صلاته، وإن كان سهواً، لم يعتد بشيء من أعمال تلك الركعات، ومذهبه كمذهبنا في هذه الصورة.

وكذلك لو أخلى كل ركعة عن ركوعها، أو قراءتها، فهذا عمدُه مبطل، وسهوه مقتضٍ ألا يحتسب بما يأتي به على خلاف الترتيب، كل هذا مما وافقنا فيه.

فخرج عن مجموع ما ذكرناه أن الترتيب مستحق بالاتفاق، فليقع التعويل في الدليل على اشتراط الترتيب بالإجماع.

وما ذكره أبو حنيفة في إخلاء كل ركعة عن سجدة واحدة، لم يذكره، لأنه لا يراعي الترتيب، ولكنه اعتقد أن الركعة إذا تقيدت بسجدة، كانت في حكم الركعة التامة، وهذا زلل بيّن؛ فإن الركعة لو تمت، لما وجب تدارك السجدة المتروكة، وأنزلت الركعة المقيّدة بسجدة منزلةَ الركعة التي تدارَك المسبوقُ فيها إمامَه في الركوع؛ فإنها محسوبة، وإن لم يجر فيها القيام على ما يجب عند التمكن.

فقد تمهد إذن ادعاء الإجماع في اشتراط الترتيب، وحُمل مذهب أبي حنيفة في ترك أربع سجدات من أربع ركعات على أمر تخيله في تمام كل ركعة واستقلالها بالسجدات المفردات.


(١) ر. مختصر الطحاوي: ٣٠، بدائع الصنائع: ١/ ١٦٧، ١٦٨، تحفة الفقهاء: ١/ ٣٩٢، مختصر اختلاف العلماء: ١/ ٢٨١ مسألة: ٢٣٦، حاشية ابن عابدين: ١/ ٣٠٩، ٣١٠.