للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحاصل القول يرجع عند هذا القائل إلى أمرِ بديع، وهو أن المصلي مأمور بالتصوّن والتحفظ، وإحضار الفكر والذهن، حتى لا يتكلم ولا يفعل فعلاً كثيراً، والأمر في ذلك مؤكد عليه حسب تأكد الأمر بالتشهد، وإن سها وتكلم، فالساهي على الجملة معذور غير مكلف في حالة اطّراده بسهوه، ولكنه يؤمر بالسجود، لتركه التحفظ عن الغفلات بإدامة الذكر، فكأنَّ كلَّ سجوب منوطٌ بترك أمر مؤكد غير محتوم، فالأمر بالتشهد وما في معناه من الأبعاض، والأمر بالتحفظ إذا ظهر تركه والهجوم على منهي عنه من هذا القبيل.

فلينعم الناظر نظرَه في ذلك، وليعلم أن المعتمد عند هذا القائل تركُ ما يغير نظمَ الصلاة تغييراً ظاهراً؛ فإنّ ترك التشهد الأول يغير النظمَ الظاهر المألوف في الصلاة، كذلك تركُ التحفظ حتى يؤدي إلى تطويل ركن، أو نقل ركن مما يغير النظمَ الواضح، والشعارَ البيّن فتعلق به على الوفاق والخلاف السجود.

وأما ترك تسبيح الركوع والسجود، وتكبيرات الانتقالات، والجهرِ في الجهري، والإسرارِ في السري، فلا تبلغ هذه الأشياء مبلغ تغيير الشعار الظاهر، والنظم المألوف

وقد خالف أبو حنيفة (١) في بعض ما ذكرناه، فأثبت السجود في الجهر بالقراءة في الصلاة السرية، وفي الإسرار بها في الصلاة الجهرية، وسبب مصيره إلى ذلك تغيير الشعار.

١٠١٧ - وقال أبو حنيفة (٢): على من ترك التكبيرات الزائدة في صلاة العيد السجود، وكنت أود أن يصير إلى ذلك صائر من أصحابنا، من جهة أن التكبيرات الزائدة في صلاة العيد قريبة الشبه بالقنوت في الصلاة المختصة بالقنوت، ولكن قد ينقدح في ذلك فرق لا بأس به، وهو أن التكبير في يوم العيد من شعار اليوم، ولذلك


(١) ر. بدائع الصنائع: ١/ ١٦٦، تحفة الفقهاء: ١/ ٣٩٦، مختصر اختلاف العلماء: ١/ ٢٧٥ مسألة: ٢٢٩. حاشية ابن عابدين: ١/ ٤٩٨.
(٢) ر. مختصر الطحاوي: ٣٠، بدائع الصنائع: ١/ ١٦٧، مختصر اختلاف العلماء: ١/ ٢٧٥ مسألة: ٢٢٩، تحفة الفقهاء: ١/ ٣٩٥.