للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٠٣٠ - وذهب ابن أبي ليلى (١). إلى أنه يقتضي كلُّ سهوٍ سجدتين، وهو مع ذلك لا يُعقب كلَّ سهو سجدتين، بل يؤخر السجدات، وقد احتج بما رواه عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكل سهو سجدتان" (٢)، واعتمد الشافعي حديث ذي اليدين، فإنه تعدَّدَ السهو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه سلم ناسياً، ثم استدبر القبلة، ثم تكلم، ثم سجد سجدتين.

وأما حديث ثوبان، فقد رأى الشافعي فيه محملاً، وذلك أنه أراد عليه السلام أن يبين أن سجود السهو يتعلق بأصناف من السهو بعضها تَرْك، وبعضها فعل، فلا يختص ثبوت السجود بصنف، وهو بمثابة قول القائل: لكل ذنب توبة، أي لا يختص وجوب التوبة بنوع دون نوع.

والذي ذكره الشافعي تأويل محتمل، وحديث ذي اليدين لا يقبل وجهاً من التأويل في الغرض الذي نحن فيه.

١٠٣١ - ثم قال صاحب التلخيص: لا تتعدد سجدتا السهو إلا في مسائل منها: أن القوم إذا كانوا يصلون الجمعة، فسَهَوْا، وسجدوا، ثم بان لهم أن الوقت خارج، فإنهم يتمون الصلاة ظُهْراً ويسجدون مرة أخرى.

وكذلك المسافر إذا سها في صلاة مقصورة وسجد، ثم بان له قبل التحلل أن السفينة قد انتهت إلى دار الإقامة؛ فإنه يتمم الصلاة، ويعيد السجود.

والسبب في هذا الجنس أن الصلاة إذا زادت، وانقلبت عن العدد المقدر فيها، فالسجود يقع في وسط الصلاة غيرَ معتد به، فإذا بطل، فلا بدَّ من الإتيان بالسجود في آخر الصلاة، وإن كان يصح الاستثناء لو كان يعتد بالسجودين، ولا يبطُل واحد منهما.


(١) ابن أبي ليلى: عبد الرحمن بن أبي ليلى أبو عيسى. من أكابر تابعي الكوفة. ت: ٨٢ هـ (وفيات الأعيان: ٣/ ١٢٦).
(٢) حديث ثوبان: أخرجه أبو داود، وابن ماجة، وأحمد، وصححه الألباني (ر. أبو داود: ١/ ٦٣٠، كتاب الصلاة، باب من نسي أن يتشهد وهو جالس، ح ١٠٣٨، وابن ماجة: ١/ ٣٨٥، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيمن سجدهما بعد السلام، ح ١٢١٩، والمسند: ٥/ ٢٨٠).