فإن قيل: قد ذكرتم وجهين فيمن أشكل عليه الأمر في ثوبين كما ذكرتموه، وكان معه ما يتأتى غسل أحد الثوبين به، فهل يلزمه ذلك، أم له أن يعتمد الاجتهاد؟ وسبب الخلاف أن الوصول إلى اليقين، ممكن، وما ذكره المزني وصولٌ إلى اليقين، فهلا خرجتم مذهبه وجهاً؟
قلنا: لا سواء؛ فإن من غسل أحد ثوبيه وصلى فيه، فقد أقدم على الصلاة على يقين من الصحة، ومن صلى مرتين في ثوبين، كما يراه المزني، فكل صلاة مشكلة في نفسها لا مُستند لها من يقين ولا اجتهاد.
والذي يحقق ذلك أنه لو كان يكفي اليقين من غير رعاية حالة الإقدام، للزم على مساق ذلك أن من التبست عليه جهات القبلة في السفر، فصلى كما اتفق من غير اجتهاد ولا تقليد مجتهد، ثم تبين أنه كان مستقبلَ جهة القبلة وفاقاً، فلا يلزمه القضاء. وليس كذلك، فدل على فساد ما اعتمد المزني، وهو حسن لطيف، فافهم.
١٠٦٢ - ولو أصاب ثوبَ الإنسان نجاسةٌ، وأشكل مورد النجاسة، فالوجه غسل جميع الثوب، فإن صب عليه الماء صباً معمّماً مستغرقاً، أو غمسه في ماءٍ جارٍ، أو كثير، فلا شك أنه يحكم بطهارة الثوب، على ما سيأتي بعدَ هذا تفصيل القول في النجاسة الحُكمية والعينية.
١٠٦٣ - ولو غسل من الثوب نصفه مثلاً، ثم قلَبه، وغسل نصفه الثاني، ولا يصب الماء على جميعه أولاً ولا آخراً، فقد قال صاحب التلخيص: لا يجزئه ذلك؛ فإنَّ ورود النجاسة مستيقن، والغسل على هذه الصفة لا يفيد إزالة النجاسة بيقين؛ فإنه لا يمتنع تقدير النجاسة على منتصف الثوب مثلاً، ولو فرض الأمر هكذا، لكان الغَسل المفروض فاسداً؛ فإنه أتى في النصف الأول على نصف النجاسة تقديراً، فإذا غسل النصف، تعكَّس أثرُ النجاسة من ذلك النصف على النصف الآخر، ويغمض إذْ ذاك مُدركُ الأمر، والأصل بقاء النجاسة، فهذا مذهب صاحب التلخيص.
وقال صاحب الإفصاح (١): لو غسل الثوب الذي يشكل نصفين في دفعتين، جاز؛
(١) صاحب الإفصاح: أبو علي الطبري، الحسين بن القاسم، وقد سبقت ترجمته.