للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما اختار هذا؛ لأن إثبات حكم [جزئي] (١) لاعتقاد افتراق كلي لا يتجه. وهو بمثابة قولنا: لا يحرم على الجنب ذكر الله، ولا يحرم أيضاً على الحائض، ولا يجب من افتراقهما في أحكامٍ لا تعلق لها على الاختصاص بما نطلبُه أن يفترقا فيما نحن فيه.

ويمكن أن يقال: المسلمون مستوون في المسجد؛ فإنه بيت الله، والمؤمنون عباد الله على إضافة التخصيص والتشريف، والمُحْدِث يصحُّ اعتكافه، ولا يحرم عليه اللُّبث، والجنب يحرم عليه الاعتكاف، فلم يكن من أهل اللُّبث؛ إذ لو كان من أهله، لكان من أهل الاعتكاف، والعبور لا يحرم عليه؛ فإنه ليس فيه ما يقتضي تحريم العبور، فلتكن الحائض التي لا يخشى عليها (٢) التلويث كذلك.

ثم العبور الذي يتّجه هو على الاعتياد والاقتصاد؛ فلا نأمره بالإسراع في المشي، ولعل الضبطَ فيه ألا يعرج في موضع بخط تعريجاً يقضي بأن مثله يكون أقلَّ ما يجزىء في الاعتكاف، إذا جرينا على أن الاعتكاف شرطه اللّبث.

ثم لا نؤاخذ العابر بسلوك أقصد الطرق، وكيف يُظن هذا، وله أن يدخل المسجد ابتداءً عابراً، وإنما يتخيل هذا الفرق على مذهب أبي حنيفة (٣)، فإنه لا يرى للجنب أن يدخل المسجد، لكن لو كان فيه، فاحتلم، فيخرج. ثم قال: إنه بالخيار إن شاء انتحى أبعد الأبواب، وإن شاء خرج من السبيل الأقرب. ولكن لا ينبغي للعابر عندنا أن يتردد في أكناف المسجد، معتقداً أن له أن يمشي؛ فإن التردد في غير جهة الخروج في حكم المكث. وهذا بيّن.

١١١٩ - وأما الكافر؛ فإن لم يكن جنباً، فله أن يدخل المسجد بإذن واحدِ من المسلمين، وهل له أن يدخل من غير إذن؟ فعلى وجهين: أحدهما - لا يدخل؛ فإن الكافر ليس من أهل من يقيم في المسجد، فكأن المسجدَ يختص بالمسلمين اختصاصَ دار الرجل به.


(١) في جميع النسخ: "جديد" والمثبت مما أفدناه من (ل).
(٢) كذا في جميع النسخ، على التوسع في إنابة حروف الجر بعضها عن بعض، فإن (على) من معانيها المصاحبة. وأما (ل) ففيها: "منها".
(٣) ر. حاشية ابن عابدين: ١/ ١١٥.