للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفصل بين بقعة وبقعة، وهذا قياس بيّن، ليس يخفى على المتأمل.

ولكن الشافعي راعى مع إمكان الوقوف على حالات الإمام أن يكون الإمام والمأموم بحيث يعدان مجتمعين في بقعة، وقال: من مقاصد الاقتداء حضور جَمْعٍ، واجتماعُ طائفةٍ على مكان عند الصلاة في الجماعة.

١٢٢٩ - ولا يعد من الجماعة أن يقف الإنسان في منزله المملوك، وهو يسمع أصوات المترجمين في المسجد، ويصلي بصلاة الإمام، ثم معتمد الشافعي في الشعائر المتعلقة بالصلاة رعاية الاتباع؛ فإن [مبنى] (١) العبادات عليها وهذا حسن.

١٢٣٠ - فإذا تبين ذلك، فالمسجد إن كان جامعاً للإمام والمقتدي، لم يضر إفراط البعد؛ فإن المسجد لهذا الشأن، فيحمل الأمر على أن المجتمعين فيه للصلاة متواصلان، فأما الصحراء الموات، فمحطوط عن المسجد، من جهة أنه ليس مكاناً مهيّأً لجمع الجماعات، وهي مشابهة من وجهٍ للمسجد؛ فإن الناس مشتركون فيه اشتراكهم في المسجد، فقال رضي الله عنه: لذلك: "لا يشترط في الموقف اتصال الصفوف"، ثم ضبَطَ القربَ المعتبر بثلاثمائة ذراع. والأصح أن هذا تقريب منه، وليس بتحديد، وكيف يطمع الفقيه في التحديد، ونحن في إثبات التقريب على عُلالة؟

وقد قيل: اعتبر الشافعي في ذلك المسافة التي تنحى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفةٍ من أصحابه عن موضع القتال. وقد قيل: إنها كانت قريبةً مما ذكرناه، فإنه تباعد تباعداً لا ينال المصلي فيه سهمُ الأعداء غلوة (٢). ونبال العرب لا تنتهي إلى مثل هذه المسافة، وإنما تعلق الشافعي بذلك؛ لأن في بعض الروايات أن الذين كانوا في الصف في بعض الأحوال كانوا على حكم الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الرواية وإن كانت في صلاة ذات الرقاع، ولا يختار الشافعي العملَ بها، فهي صحيحة، وإذا عدمنا في محاولة الضبط [تقريباً] (٣)، اكتفينا بمثل هذا، وعددنا هذا نوعاً من التواصل.


(١) في الأصل، (ت ١)، (ط): "معنى"، والمثبت من (ت ٢)، ثم صدقتها (ل).
(٢) الغَلْوة: رمية السهم. وتقدر بثلثمائة إلى أربعمائة ذراع. (المعجم).
(٣) في (ت ٢): "تفريقاً"، وفي باقي النسخ "تفريعاً"، والمثبت جاءتنا به (ل).