للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم لم نكتف في ذلك بما أشرنا إليه، حتى عضده الخبر والأثر، أما الخبر، فقد روي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حرّم على المهاجرين الإقامة بمكة، ثم رخص لهم إذا قدموا أن يمكثوا بعد قضاء النسك ثلاثاً" (١)، وهذا ظاهر في أن هذا المقدار لا يُلحِق الماكثَ بالمقيم.

وحرّم عمر على أهل الذمّة الإقامةَ في أرض الحجاز، ثم أجاز لمجتازيهم المكث بها ثلاثة أيام (٢).

ومذهب أبي حنيفة (٣) أن أكثر مدة مُقام المسافر خمسةَ عشر يوماً، وقد روَوْا عن أنس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة في حجة الوداع عشراً وهو يقصر فيها" (٤)، ولم ير الشافعي التعلق برواية أنس في سَفْرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجه، وآثر على روايته روايةَ جابر (٥)؛ فإنه كان أحسن الرواة سوقاً لتفصيل أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي رواه أنس من العشر صحيح، ولكن جابراً روى تفصيله، وقد قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة صبيحة رابعة مضت من


(١) حديث يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً، متفقٌ عليه من حديث العلاء بن الحضرمي (ر. التلخيص: ٢/ ٤٥ ح ٦٠٥، واللؤلؤ: ٣١٣ ح ٨٥٨، وهو عند البخاري ح ١٨٣٢ وعند مسلم ح ١٣٥٢).
(٢) الأحاديث الواردة في إخراج اليهود، والنصارى من جزيرة العرب، والتي تؤكد بأنه لا يجتمع في الجزيرة دينان، في غاية الصحة، فهي عند البخاري ومسلم، عن أكثر من صحابي، راجع البخاري الأحاديث ح ٢٣٣٨، وأطرافه ٢٢٨٥، ٢٣٢٨، ٢٣٢٩، ٢٣٣١، ٢٤٩٩، ٢٧٢٠، ٣١٥٢، ٤٢٤٨، والأحاديث: ٤٠٢٨، ٦٩٤٤، ٧٣٤٨، وفي مسلم ١٥٥١.
وإما إجلاء عمر لمن بقي منهم، وأنه أذن لمن يجتاز أو يدخل بالبقاء ثلاثة أيام فقط، فانظر: مصنف عبد الرزاق: ٦/ ٥١ ح ٩٩٧٧، ١٠/ ٣٥٧، ح ١٩٣٦٠، والسنن الكبرى: ٩/ ٢٠٧، ٢٠٨، ٢٠٩، وانظر التلخيص: ٢/ ٤٦ ح ٦٠٩.
(٣) ر. رؤوس المسائل: ١٧٥ مسألة: ٧٦، حاشية ابن عابدين: ١/ ٥٢٨، وبدائع الصنائع: ١/ ٩٧.
(٤) حديث أنس رواه الستة. (نصب الراية: ٢/ ١٨٤).
(٥) حديث جابر في صفة حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، معروف باسم حديث جابر الطويل، رواه مسلم في صحيحه. (ر. مسلم: ١/ ٨٨٦، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، ح ١٢١٨، التلخيص: ١/ ١٩٢ ح ٢٨٣).