للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٣٣٤ - فأما الجمع بعذر السفر، فنبدأ فيه بتفصيل السفر، ونقول: الجمع بعذر السفر الطويل جائز، وفي تجويزه في السفر القصير من غير نُسكٍ قولان مشهوران: أحدهما - لا يجوز؛ فإنه تغيير ظاهر في أمر الصلاة، فيختص بالسفر الطويل.

والثاني - أنه يسوغ في السفر القصير أيضاً؛ فإنه قد صح تجويزه في حق المقيم بعذر المطر، كما سنذكره، فوضح بذلك أن الأمر هيّن فيه، حتى سبق بعض الأئمة إلى أن وقت الظهر والعصر مشترك، على تفصيل قد بيناه في باب المواقيت.

وأما الحاج إذا كان آفاقياً (١) غريباً، فإنه يجمع بعرفة بين الظهر والعصر في وقت الظهر، وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء بمزدلفة، واختلف أئمتنا في مقتضى الجمع في حقه: فمنهم من قال: سبب الجمع السفر، فعلى هذا يجمع الغريب الذي لابس سفراً طويلاً، وهل يجمع المكي؟ فعلى قولين؛ لأن سفره قصير، والعَرفي (٢) الذي أنشأ النسك من وطنه لا يجمع قولاً واحداً على هذه الطريقة؛ فإنه ليس مسافراً، وفي الجمع بمزدلفة قولان في حقه.

فهذه طريقة ذكرها الصيدلاني.

وغيرهُ من أئمتنا قال: سبب الجمع شغل النسك، فعلى هذا يجمع المكي، ويجمع العَرفي بعرفة أيضاً، فهذا تفصيل القول في السبب الذي يقتضي الجمع في هذا الفن.

وإذا قلنا: النسك من غير سفر يقتضي الجمعَ، فأسباب الجمع على ذلك ثلاثة: السفر، والنسك، والمطر.

١٣٣٥ - ونحن نذكر بعد ذلك تفصيلَ القول في الجمع، فنقول: أما صلاة


(١) آفاقياً: منسوب إلى (آفاق) جمع أُفُق بمعنى ناحية وقطر من الأرض. قال النووي: "وهذه النسبة منكرة؛ فإن الجمع إذا لم يسم به لا ينسب إليه، وإنما ينسب إلى واحده" وأنكر على الغزالي هذا الاستعمال. (تهذيب الأسماء واللغات). قلت: وقد أخذ الغزالي هذا من عبارة شيخه إمام الحرمين. ثم قلت: قد أجاز مجمع اللغة العربية في عصرنا هذا النسبَ إلى الجمع.
(٢) "العَرفي". نسبة إلى عرفات. أي من أهل عرفات نفسها.