١٣٦٠ - وضبط المذهب من طريق المعنى أن المصير إلى الجامع إجابة للداعي، فكان المرعيُّ فيه سماعَ النداء، وقوله تعالى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا}[الجمعة: ٩] مشعرٌ باعتبار النداء.
ثم قال أئمتنا: إذا أردنا أن نعتبر سماع النداء، فرضنا كونَ المنادي في جهة القرية الذي نُريد اعتبارَ أمرها، ونُقدّره على طرف البلدة في تلك الجهة، ثم نُقدر رجلاً يعدّ صيّتاً عُرفاً، فإذا نادى في جنح الليل عند زوال اللغط، وسكون الأصوات، وركود الهواء، اعتبرنا بلوغ صوته على هذا الوجه، ولا بد من اعتبار سكون الرياح؛ فإن الريح إذا كانت تهب من نحو البلد إلى جهة القرية، فقد يبعد بلوغ النداء بعداً مسرفاً؛ لمكان الريح، ولا يكون هذا بلوغَ النداء، بل هو حملُ الريح للصوت، وإن كانت الريح تهب من جهة القرية إلى البلدة، فإنها تدفع الصوتَ وتمنعه من النفوذ، فلا يكون قصورُ الصوت بسبب بعد القرية.
وفي بعض التصانيف أن من أصحابنا من يعتبر وقوفَ المنادي في وسط البلدة، وهذا ساقط، غيرُ معتبر؛ فإن البلدة في اتساع خِطتها وكبرها، قد تكون بحيث لو وقف المنادي في وسط البلدة، لم يبلغ صوتُه الأطرافَ، فضلاً عن أن يتعداها إلى قُراها.
فإن قيل: لم لَمْ تعتبروا النداء في أهل البلدة؟ قلنا: البلدة بجملتها موضع الجمعة، فلا قُطر فيها إلا ويمكن إقامة الجمعة فيه، ونحن إذا كنا نراعي في القرى بلوغَ النداء، نعتبر موقف المنادي على الطرف في تلك الجهة؛ فما من جادّة معدودةٍ من البلد، إلا ويتأتَّى فيها فرض وقوف المنادي. فأهل البلدة داخلون تحت النداء المقدّر، فهذا واضحٌ.
وكان شيخي يقول: لو فرضت قريتان في جهةٍ واحدةٍ، وكانت إحداهما في وهدةٍ، وكان النداء لا يبلغها لذلك، وكان يبلغ القريةَ الأخرى الموضوعة على الاستواء، وهي في مثل مسافة القرية الأولى، فيجب على أهل القرية الموضوعة في الوهدة الجمعةُ، نظراً إلى المسافة في الاستواء، ومصيراً إلى أنهم في محل سماع النداء، ولكن انخفاضَ قريتهم مانع من السماع.