للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإيماء خارج عن القانون، لا أصل له، وتشبهه بالمريض ساقط؛ فإن هذا مما يندر ولا يدوم، وتمكن المصلي من السجود قائم، والاستئخار عن الإمام بأركانٍ أقرب من الاقتصار على الإيماء في ركن لا يتطرق إليه التحمل، فإذاً الوجه القطع بألا يومىء، ولكن ينتظر ما يكون ثم يتفرع صور في انتظاره، وفيما يُفضي إليه أمره. كما ستأتي مفصلة إن شاء الله.

قال الشيخ أبو بكر: هذا من الأعذار التي يجوز بسببها الانفراد عن الإمام، وقد ذكرنا فيما تقدم أن من التزم الجماعة، وانفرد عن الإمام من غير عذر، ففي بطلان صلاته قولان، وإن كان انفرادُه بعذر، فالمذهب صحة الصلاة، فقال الصيدلاني: إذا وقعت الزحمة، وأحوجت إلى التخلف عن الإمام، فيجوز بسببها نية الانفراد.

١٣٧٥ - وهذا فيه تفصيل عندي: فإن فُرض الزحام في غير صلاة الجمعة، فما ذكره متجه حسن. وإن كان الزحام في صلاة الجمعة، فيظهر عندي منعه من الانفراد؛ فإن إقامة صلاة الجمعة واجبة قصداً، فإخراج النفس عنها قصداً، ليس يتجه، وقد رأيت الطرق متفقة على أن التخلف بعذر الزحمة لا يقطع حكمَ القدوة على الإطلاق.

ولو صار إليه (١) صائر؛ من جهة أن الاتباع -على شرط الوفاء بالقدوة عند الاختيار- متعذر، وإذا تعذر تحقيق الاقتداء فعلاً، وأحوج الازدحام إلى التخلف بأركان، فلو قيل: ينقطع حكم نية القدوة، لم يكن بعيداً عن القياس. ولكن لم يصر إلى هذا أحد من الأصحاب، والمذهب نقل، وأنا لا أعتمد قط احتمالاً إلاّ إذا وجدت رمزاً وتشبيباً لبعض النقلة.

١٣٧٦ - فإذا وضح ذلك، عُدنا إلى البناء على ما هو المذهب، وهو أنه إذا عسر عليه السجود لا يومىء، بل ينتظر انجلاءَ الزحام، فإذا قام الإمام إلى الركعة الثانية، وتمكن المزحوم من السجود، فسجد سجدتين، ورفع رأسه، فإن صادف الإمام


(١) "إليه" الضمير يعود إلى قطع حكم القدوة بالتخلف، فكان العبارة: لو صار صائر إلى أن حكم القدوة ينقطع بالتخلف، لم يكن بعيداً عن القياس، ولكن لم يصر إلى هذا أحد من الأصحاب.