ولكن هذا لم يكن كافياً بالجزم بأن المقصود أبو إسحاق الإسفراييني، فأعدنا قراءة كلام النووي في مصدره الذي أخذ منه شيخنا، وهو (مقدمة المجموع)، فوجدناه ينقل هذا الكلام عن (أبي عمرو) أي (ابن الصلاح) ولما كان الكلام في الفتوى وطبقات المفتين، رجعنا لكتاب (أدب الفتوى) لابن الصلاح، فوجدناه يصرح بالاسم كاملاً، فيقول:" وقد بلغنا عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني ... إلخ (١) " فانكشف الأمر، واستيقن الظن، وأغنانا عن البحث في مظان أخرى.
وهذا مجرد نموذج لمعاناة المحقق وواجبه.
٢ - كما ننبه أيضاً لعبارة موهمة وردت في البحث الأصيل لأخينا النبيل الشيخ محمد إبراهيم علي (المذهب عند الشافعية)، فقد جاء عند الحديث عن الطريقتين قوله:" وبقيت طريقة العراقيين وحيدة في الميدان الفقهي الشافعي، فقولها هو المعتمد، حتى نبغ القفال الصغير المروزي، واشتهر بالتدوين في الفقه، وتبعه جماعة لا يُحْصَون عدداً ... ".
فهذه العبارة توحي، بل تُصّرح أن طريقة العراقيين تقدّمت في النشأة عن طريقة الخراسانيين وظلت زماناً لا يعرف الفقهُ الشافعي غيرَها، حتى ظهرت طريقة الخراسانيين متأخرة عنها بزمانٍ طويل. هذا ما تقول به العبارة.
والواقع أن تمايز الطريقتين في رواية المذهب نشأ في وقتٍ واحد، وما قبلهما لم يكن يوصف بأنه عراقي ولا خراساني.
والذي يشهد بأنه نشوء الطريقتين كان متزامناً وفي وقت واحد، بصورة لا تقبل الشك هو النظر إلى ترجمة شَيْخي الطريقتين، الشيخ أبي حامد الإسفراييني، والقفال المروزي، فهما من طبقة زمنية واحدة، بل إن ميلاد القفال شيخ طريقة المراوزة قبل ميلاد أبي حامد شيخ طريقة العراقيين، فقد ولد القفال سنة ٣٢٧ هـ على حين ولد أبو حامد سنة ٣٤٤ هـ، وإذا قيل لنا: إن القفال تأخر اشتغاله بالفقه إلى سن الثلاثين، فالجواب أننا لو قدرنا تأخر ميلاده سبعة عشر سنة مثلاً (وهي فترة الطفولة والصبا)