يوضئه وضوءاً تاماً، ثلاثاً ثلاثاً. وذكر الشيخ أبو بكر أنه يأتي بالمضمضة والاستنشاق. وظاهر هذا أنه يوصل الماء إلى داخل فيه وأنفه، ولا يكتفي بإيصال الماء إلى مقادم الثغر والمنخرين، وكان شيخي يقول: يكتفي بإيصال الماء إلى ثغره ومنخره، وهذا معنى المضمضة فيه، وكذلك القول في المنخرين. والذي أرى القطعَ به أن أسنانَه إن كانت متراصة، فلا ينبغي أن يتكلف الغاسل فكّها، وفتحها، لمكان المضمضة، وإن كان فمه مفتوحاً ففي إيصال الماء إلى داخل فمه وأنفه تردد من الأئمة. والسبب فيه أنه قد يبتدر الماء إلى جوفه، فيكون ذلك سبباً في تسارع الفساد والبلى إليه، ونحن مأمورون برعاية صونه جهدنا، وإن كان مصيره إلى البلى.
ثم إذا فرغ من ذلك وضَّأه، وتعهد شعره وسرّح لحيته، وشعرَ رأسه إن كان ذا لِمّة، وكانت قد تلبّدت، حتى لا يمتنع بسببها وصول الماء إلى أصول الشعر، ويستعمل مشطاً واسع الأسنان، وَيرْفُقُ جهده؛ حتى لا ينتف شعره، ثم يضجعه على شقه الأيسر ويبتدىء غسله، فيصب الماء على رأسه، وعنقه وشقه الأيمن كلِّه، إلى فخذه، وساقه، ورجله، ثم يلقيه على قفاه برفق، ويضجعه على شقه الأيمن، ويغسل شقه الأيسر، كما تقدم ذكره في الأيمن، وهذه غسلة واحدة، وهو في ذلك كلِّه يُتبع الماءَ يدَه دلكاً، وعليها خرقة.
ثم ذكر الشافعي أنه بعد كل غسلة، يُجلسه، ويمرّ يده على بطنه ويردّه، ولكنه يتحامل في المرة الأولى قبل ابتداء الغسل، ويرفُق في غيرها من الكرَّات على حسب ما تقتضيه الحال، ثم يغسله ثانية وثالثة، فإن حصل النقاء المطلوب، وإلا غسله خمساً أو سبعاً، هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم اللّواتي كنّ يغسّلن ابنته زينب فقال:"اغسلنها ثلاثاً، خمساً، سبعاً"(١)، والإيتار مرعي عند محاولة الزيادة على الثلاث، ولا مزيد على الثلاث من غير حاجة.
(١) حديث: "اغسلنها ثلاثاً ... " متفق عليه عن أم عطية، ولكن عندهما بعد قوله: خمساً: أو أكثر من ذلك. (اللؤلؤ والمرجان: ١/ ١٨٩، باب غسل الميت، ح ٥٤٤، والتلخيص: ٢/ ١٠٧ ح ٧٤١).