١٧٦٨ - ثم تمام القول في ذلك أن رب المال إذا كان يخرج سنّاً ناقصاً وجبراناً، فلو أخرج شاتين، فقال الساعي: أريد الدراهم، أو على العكس، فالذي نقله المزني أن الخيار في ذلك إلى المعطي. وقال الشافعي في الإملاء: المتبع رأيُ الساعي، وقد اختلف الأئمة في ذلك، فقاك بعضهم: في المسألة قولان: أحدهما - أن الرجوع إلى اختيار الساعي، كما لو ملك المالك مائتين من الإبل، واجتمع حساب الحِقاق وبنات اللبون؛ فإن الساعي هو المتَّبع في [أحد](١) السنّين، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
والقول الثاني - أن المتبع اختيار المعطي، فإن النبي عليه السلام، قال:"وأخرج معه شاتين أو عشرين درهماً" فكان هذا متضمناً تخييرَ المخرِج صريحاً، وأيضاً؛ فإن الجبران أثبته الشارع تخفيفاً وترفيهاً، حتى لا يحتاج ربُّ المال إلى شراء السن الذي هو واجب المال؛ فالذي يليق بالتخفيف أن تكون الخِبَرةُ إلى المعطي، وليس كذلك إذا اجتمعت الحقاق وبنات اللبون، فإنه لم يتأصل فيه قاعدة مقتضاها الترفيه.
وذهب جمهور الأئمة وهو الذي قطع به الصيدلاني أن الاختيار إلى المعطي، في إخراج الشاة والدراهم، قولاً واحداً، كما نقل المزني، وما حكي في الإملاء من أن الاختيار إلى الساعي، فهو محمول عليه إذا كان الساعي هو المعطي.
ثم إذا خيّرنا ربَّ المال، فكان هو المعطي، فاختياره غير مرتبط برعاية الغبطة للمساكين، ولكن له أن يخرج الدراهم، وإن كانت الغبطة في إخراج الشاة.
وإن قلنا: المتبع رأيُ الساعي؛ فإن الساعي لا يتخير تخبر المتشهي بلا خلاف، بل يتعين عليه رعايةُ الغبطةِ والمصلحةِ للمساكين، فإنه فيما يخرجه يتصرف في أملاك المساكين، فيلزمه الاحتياط فيه.
ولو اختلف رب المال والساعي فقال رب المال -والواجب بنت اللبون ولم تكن موجودة في المال-: أنزل إلى بنت المخاض، وأجبر، وقال الساعي: بل أخرج الحِقة، وأنا أجبر، أو على العكس؛ ففي ذلك وجهان، تخريجاً على الخلاف المقدم
(١) في الأصل و (ك): آخر، و (ت ٢): أخذ. والمثبت من (ت ١).