للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشغولة كما كانت، ثم الساعي على الجملة إن كان مفرّطاً في حبس الزكاة عن أربابها، فإنه يضمن لتفريطه، وإن كان يجمع الأموالَ، ويتردد على جباية الزكوات، فاتفق في أثناء ذلك تلفُ بعضها، فهو أمين غير ضامن؛ فإنه لا يجب عليه أن يفرّق كل قليل وكثير حصل في يده، والمرجع في الضمان ونفيه إلى تفريطه وعدم تفريطه.

١٨٠٤ - ومما يذكر في ذلك أن السلطان لو كان جائراً، فسلّم الزكاة إليه، فتفصيل ذلك على التحقيق الذي نبغيه في هذا المذهب (١)، لا يحتمله هذا المكان، والقول فيه يتعلق بالإيالة (٢) الكبيرة، وأحكام الولاة، ولعلّنا نذكر في موضعٍ نراه حظّاً صالحاً منه، تمس الحاجة إليه.

والقدر الذي يعتاد الفقهاء ذكره، أن الوالي هل ينعزل بفسقه أم لا؟ وفيه تردد لهم، فإن قضينا بانعزاله، فلا حكم لأخذه، فإن سلّمه إلى المساكين، فهو نحو وكيل، وإن لم يسلّمه إليهم، فذمة المالك مشغولة.

وإن قضينا بأن الوالي لا ينعزل بظلمه، فهو في الحكم الذي نحن فيه نازل منزلة العدل، إن قلنا: يتعين دفعُ زكاة الأموال الظاهرة إلى الوالي. وإن قلنا: لا يجب -ولم يكن قهر- فدفع رب المال إليه، فأهلكه، ولم يوصله إلى المستحقين، فالظاهر أنه يجب على المالك تثنية الزكاة، في هذه الصورة لتقصيره. وقد ورد عن النبي عليه السلام في خبر أنه قال في الزكاة: "سلموها إليهم، ولو وضعوها في أفواه دوابهم" (٣) أراد استنفقوها، ولعل المراد الاستحثاثُ على اتباع الولاة، وترك الاعتراض عليهم، وبذل الطاعة لهم.

...


(١) المذهب: المراد به (هذا الكتاب).
(٢) "الإيالة الكبيرة": أي السياسة العظمى في أحكام الخلافة والإمامة.
(٣) حديث: "سلموها إليهم ... " لم نصل إليه فيما رأينا من كتب السنة. ولكن روى الطبراني في الأوسط حديثين بقريب من هذا المعنى، أحدهما عن عبد الله بن عمر، والآخر عن سعد بن أبي وقاص. (مجمع الزوائد: ٣/ ٨٠).