للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذهب، واعتراف بالاعتراض والإشكال، وتصريح منه أنه لا مذهب لي في الواقعة بعدُ.

والشافعي بعدما ردد الأقوال، استقر رأيه على قولٍ واحد في جلة المسائل، ولم يبق على التردد إلا في ثماني عشرة صورة، فهو ليس كثير التردد" (١).

ولم يكن إمام الحرمين وحده الذي عُني بهذه القضية، بل وجدنا ذلك أيضاً عند الإمام أبي إسحاق الشيرازي (٢).

وفي كتابنا هذا (١٢/ ٢٢٩) قال إمام الحرمين أيضاً: " وقول عثمان هذا يدل على أن ترديد القول في الشرع ليس بدعاً، وفي مساق قول عمر ما يدل على مثله.

وبالجملة لا ينكر تردد المجتهد في المظنونات إلا أخرق، لا يعرف مسالك الاجتهاد ".

قال ذلك تعقيباً على قول عثمان رضي الله عنه في حكم الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين، إذ قال رضي الله عنه: " أحلتهما آية، وحرمتهما آية " أي ردّد رأيه، ولم يقطع، وهو يشير إلى آية: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج: ٣٠]، فعموم الآية يقتضي الإباحة، وأراد بالآية الأخرى قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣].

وأما قول عمر الذي يُفهم منه التردد أيضاً، فهو قوله حينما سئل عن ذلك: " أما أنا، فلا أحب أن أفعل ذلك " فكرهه في خاصة نفسه، ولم يقطع بتحريمه.

ووضع شمس الدين محمد السلمي الشافعي الشهير بالمناوي رسالة في هذه المسألة وحدها بعنوان: (فرائد الفوائد في اختلاف القولين لمجتهدٍ واحد).

وعنوانها يكفي للدلالة على مضمونها، وهي رسالة كافية شافية، تحقق غرض الشافعية في الدفع عن إمامهم بأسلوب بعيد عن التعصب والإساءة.

وإن كانت القضية أصلاً لا تحتاج إلى اتهام ودفاع، كما قال شيخنا أبو زهرة.


(١) البرهان في أصول الفقه: ج ٢ فقرة: ١٥٥٣.
(٢) شرح اللمع: ٢/ ١٠٧٥ فقرة: ١٢١٩، والتبصرة في أصول الفقه: ٥١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>