للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٩١٠ - [ثم] (١) لما علم المزني أن ما ذكره لا حجة فيه في تعجيل الزكاة، احتج بما هو حجة في الباب ظاهرةً، وهو ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمر بن الخطاب ساعياً، فلما رجع شكا ثلاثةَ نفر: خالدَ بنَ الوليد، والعباسَ بن عبد المطلب، وابن جميل (٢)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما خالد، فإنكم تظلمون خالداً؛ فإنه حبس أفراسه، وأعتُدَه وروي وأعبده، وروي وأَدْرُعَه في سبيل اللهِ، وأما ابنُ جميل، فما نقم إلا أن أغناه الله، وأما العباس فقد استسلفتُ منه صدقةَ عامين" (٣) معناه استعجلت.

أما قوله فإنه حبس أفراسه أشبه المعاني أن عمر كان يطلب منه زكاة التجارة في أفراسه وغيرها، فأوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حبسها في سبيل الله، وكان الساعي قبل أيام عثمان يطلب زكوات الأموال الباطنة والظاهرة جميعاً، وقصة ابن جميل معروفة.

فثبت أن تعجيل الصدقة قبل وجوبها جائز، ووافق أبو حنيفة (٤) فيه، ومنع تقديم الكفارة على الحنث، وقال مالك (٥) يجوز تقديم الكفارة، ولا يجوز تعجيل الزكاة.

ومضمون الباب فصول نرسمها على الترتيب، ونذكر في كل فصل ما يليق به.


(١) زيادة من (ت ١)، (ت ٢).
(٢) ابن جميل: قيل: إنه كان منافقاً، ثم تاب بعد ذلك. قال الحافظ في الفتح: لم أقف على اسمه في كتب الحديث، ولكن وقع في تعليقة القاضي حسين المروزي أن اسمه عبد الله، وقيل: اسمه حميد، وقيل: أبو جهم، وقيل: أبو جهم بن جميل. اهـ ملخصاً من الفتح: ٣/ ٣٣٣.
(٣) حديث بَعْث عمر على الصدقة، رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وأحمد (ر. البخاري: الزكاة، باب قول الله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، ح ١٤٦٨، ومسلم: الزكاة، باب في تقديم الزكاة ومنعها، ح ٩٨٣، والنسائي: الزكاة، باب إعطاء السيد المال بغير اختيار المصدق، ح ٢٤٦٦، والمسند: ٢/ ٣٢٢).
هذا، وقد رواه إمام الحرمين بتقديم وتأخير، وبالمعنى في صدقة العباس رضي الله عنه.
(٤) ر. مختصر اختلاف العلماء: ١/ ٤٥٥ مسألة رقم ٤٤٧، حاشية ابن عابدين: ٢/ ٢٩٣.
(٥) ر. المدونة: ١/ ٢٨٤، الإشراف: ١/ ٣٨٦ مسألة ٥٢٦.