وإتماماً للفائدة نذكر مصطلحين آخرين يتصلان بما سبق ويتم بهما الكلام، وإن لم يكن لهما ذكر في (نهاية المطلب)، فالأحكام تثبت بطرق أربعة هي:
الأول - الاقتصار: وهو أن يثبت الحكم عند وجود علته، لا قبله، ولا بعده، كما في الطلاق المنجز، فإن قال: أنت طالق، فيقع الطلاق عند قوله هذا، لا قبله ولا بعده.
الثاني - الانقلاب: وهو صيرورة ما ليس بعلة علة، كما في تعليق الطلاق بالشرط، بأن قال: إن دخلت الدار، فأنت طالق؛ فعند حدوث الشرط ينقلب ما ليس بعلة علة، يعني أن قوله: أنت طالق في صورة التعليق ليس بعلة قبل وجود الشرط، وهو دخول الدار، وإنما يتصف بالعلّية عند الدخول.
والثالث والرابع، هما الاستناد والتبين، وقد تقدما.
...
الارتكاب: تكرر هذا اللفظ بأكثر من صيغة من صيغ الاشتقاق، في مواضع كثيرة، على طول هذا الكتاب، ومنها على سبيل المثال قوله في خطبة الكتاب:" وما اشتهر فيه خلاف الأصحاب ذكرته، وما ذكر فيه وجهٌ غريب منقاس ذكرت ندوره وانقياسه، وإن انضم إلى ندوره ضعف القياس نبهت عليه ... وإن ذكر أئمة الخلاف وجهاً مرتكباً أنبه عليه ". وحين يعرض للاجتهاد في القبلة، يعقب على أحد الوجوه في صورة من الصور قائلاً:" وهذا إن ارتكبه مرتكب، ففيه بعدٌ ظاهر " وفي باب آخر يعقب على أحد الوجوه قائلاً: "ولم يصر إلى هذا أحد من أئمة المذهب، وإنما هو من ركوب أصحاب الخلاف" وفي كتاب النكاح يعقب على إحدى المسائل قائلاً: " ولما نظر القفال إلى ما ذكرناه، لم يجد فرقاً، وارتكب طرد القياس في المسألتين اللتين ذكرهما صاحب التقريب، وقال أولاً: إنه حكى فيهما نص الشافعي، وقد تتبعت النصوص، فلم أجد ما حكاه من المسألتين منصوصاً ... ".
هذه نماذج لورود هذا اللفظ، وصورٌ من اشتقاقاته، ولقد تبادر إلى الذهن أن هذا (الارتكاب) أحد مصطلحات علم الجدل والمناظرة، فبحثت واستقصيت جهدي في كل مظانه: في الكافية في الجدل لإمام الحرمين، المعونة في الجدل لأبي