للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن جرينا على المذهب، وحكمنا بأن الملك يثبت للورثة في التركة، وإن كانت الديون مستغرِقةً لها، وقلنا: لا يمنع الدينُ الزكاةَ، فالتركة كالمرهون، وفيه الخلاف المقدم.

فإن قلنا: بوجوب الزكاة في المرهون، فمن أئمتنا من قال: إن حكمنا بأن الزكاة تتعلق بالعين، فهي مقدمة، وإن قلنا: إنها تتعلق بالذمة، فعلى ثلاثة أقوال: قال الشيخ أبو علي: الصحيح تقدم الزكاة، وإن قلنا: إنها تتعلق بالذمة، فإن لها تعلقاً على حالٍ بالعين، أقوى من تعلق الدين بالرهن. والدليل عليه أن من وجبت الزكاة في ماله، فتلف قبل الإمكان، سقطت الزكاة، ولو تلف الرهن، لم يسقط الدين، والدين يتعلق بالتركة أيضاًً تعلق استيثاق، فلا وجه لتقديم الزكاة؛ فإنها لا اختصاص لها بالعين، فالوجه التسوية عندي.

ثم الأقوال الثلاثة لا تخفى.

فإن لم يجد الوارث ما يخرج منه العشر، أخرج العشر لا محالة من ثمار التركة، ثم إذا وجد الوارث بعد هذا ما يفي بمقدار الزكاة، فهل يلزمه أن يغرم للغرماء ذلك القدرَ؟ ذكر وجهين: أحدهما - أنه يجب ذلك؛ فإن العشر إنما وجب على الوارث، وهو المخاطب بها (١)، والتركة مستحقة للغرماء. قال: هذا هو الأصح.

ومن أئمتنا من قال: لا يجب على الوارث أن يجبر ذلك؛ فإنه لم يفرط فيه، وإنما وجبت الزكاة بإيجاب الله تعالى، ثم أُخذت من المال، فكانت بمثابة المؤنة في المال، ولا خلاف أن نفقة التركة من وَسَطها، إلى أن يتفق صرفُها إلى الغرماء، فإن كانت النفقة تجب على المالك، فلتكن الزكاة كذلك.

ومن قال بالوجه الأول الذي صححه الشيخ (٢)، انفصل عن النفقة بأن قال: الزكاة عبادة مقصودة، وجبت فيه، وخُوطِبَ الوارث بها، والنفقة ليس لها تعلق بالذمة على التحقيق، فأخذت من التركة، وهذا إذا كان الوارث لا يجد ما يؤدي العشرَ منه، فأما


(١) "بها": الضمير يعود مؤنثاً على الزكاة.
(٢) "الشيخ": المراد به أبو علي السنجي في شرح فروع ابن الحداد.