للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى ابن عساكر بسنده أن إمام الحرمين كان يقول: "أنا لا أنام، ولا آكل عادة، وإنما أنام إذا غلبني النوم ليلاً كان أو نهاراً، وآكل إذا اشتهيت الطعام، أيَّ وقت كان" (١).

* كان يؤمن أن العلم لا نهاية له، ولا حدود، وما كان يترك فرصة يستزيد فيها علماً، إلا واغتنمها، وسعى إليها: في سنة ٤٦٩ هـ، وهو في ذلك الحين إمام الأئمة، فخر الإسلام، وكان قد جاوز الخمسين من عمره، في ذلك الحين قدم إلى نيسابور الشيخ أبو الحسن علي بن فَضَّال بن علي المجاشعي، النحوي، الأديب، فقابله إمام الحرمين بالإكرام، وأخذ في قراءة النحو عليه والتلمذة له، وكان يحمله كل يوم إلى داره، ويقرأ عليه كتاب (إكسير الذهب في صناعة الأدب) وكان المجاشعي يقول: " ما رأيت عاشقاً للعلم -أي نوعِ كان- مثل هذا الإمام " (٢).

* التواضع " فما كان يستصغر شأن أحد أياً كان، حتى يسمع كلامه، شادياً كان أو متناهياً، فإن أصاب كياسةً في طبع، أو جرياً على منهاج الحقيقة، استفاد منه صغيراً أو كبيراً، ولا يستنكف أن يعزو الفائدة المستفادة إلى قائلها، ويقول: هذه الفائدة مما استفدته من فلان " (٣).

ولعل أوضح ما يوضح ذلك -مما لا نعرف له مثيلاً- أنه كان لا يستنكف أن يتعلم من تلاميذه بعض الفنون التي نبغوا فيها، ولا يجد في ذلك حرجاً، ولا غضاضة، جاء في ترجمة الإمام عبد الرحيم بن الإمام عبد الكريم أبي القاسم القشيري: " تخرج على إمام الحرمين، وواظب على درسه، وصحبه ليلاً ونهاراً، وكان الإمام يعتد به، ويستفرغ أكثر أيامه معه، مستفيداً منه بعض مسائل الحساب في الفرائض، والدَّوْر، والوصية " (٤).

وليس هذا فقط، بل كان ينقل عنه ما يتعلّمه منه، ويدوّنه في كتبه، قال


(١) التبيين: نفسه.
(٢) طبقات السبكي: ٥/ ١٨٠.
(٣) التبين: ٢/ورقة ٧٩.
(٤) طبقات السبكي ٧/ ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>