فإن قيل: المحجور عليه إذا كان عليه كفارات، وقد اطّرد عليه الحجر، فالكفارات على التراخي، وأداء الدين على التضييق، فهل تُجرون الأقوال والحالة هذه؟ قلنا الأقوال في التقديم تُلفَى مرسومة للأصحاب في ازدحام الديون في التركة، وفي إجرائها في حالة الحجر تردد عندنا، أما إن لم نجرها، وقدمنا ديون الآدميين، فهو واضح، وإن أجريناها، فالمرعيُّ حق من عليه الكفارة؛ فإنه قد يحاول تبرئةَ الذمة منها، والتخلصَ من غَرَر الفوات، وهذا التردد عندي قريب من اختلاف القول في أن الديون المؤجلة هل تحل بالحجر حلولَها بالموت؟
ولولا أني وجدتُ رمزاً للأصحاب في أن عبدَ الخدمة غيرُ معتد به في الفطرة، لما قطعت قولي في أن المسكن غيرُ محسوبٍ؛ من جهة أن الفطرة لا بدل لها، بخلاف الكفارات. نعم، الإطعام في المرتبة الأخيرة لا بدل له، ولكن لا يمتنع عودُ القدرة على الصوم.
وقد ذكرنا أن الصحيح أن عبد الخدمة في حق من أخرج صاعاً. عن نفسه، يجب إخراج الفطرة عنه، فهو إذن غير محسوب في فطرة المولى، وهو معتد به في الفطرة المضافة إليه، على المذهب الظاهر.
فهذا ما أردناه في ذلك.
ثم المسكن وعبد الخدمة بعد ثبوت الفطرة مبيعان في الفطرة؛ فإنها بعد الوجوب التحقت بالديون.
٢٢٣٣ - وديون الآدميين تمنع وجوبَ الفطرة وفاقاً، وإن رأينا تقديم الفطرة عليها بعد الثبوت، فليتنبه الناظر لذلك، وليفصل بين شرط الثبوت ابتداء، وبين القول في الازدحام بعد الوجوب، وإنما قلت ما قلته آخراً (١) في الديون، من إجماع الأصحاب على تقديم النفقات على القريب والبعيد على الفطرة، فما لم يفضل عن قوته، وقوتِ كل من يقوته - فاضل، لم يجب إخراج الفطرة. ولو ظن ظان أن دين الآدمي على طريق لا يمنع وجوب الفطرة، كما لا يمنع وجوب الزكاة في قول، كان مُبعداً.