هكذا درس مع أستاذه أجزاء معدودة، " وطالع في نفسه مائة مجلدة " وتلك لعمري هي الدراسة، فمهما اتسع وقت الشيخ لتلميذه، فلن يحيط معه بأكثر من " أجزاء معدودة ". أما المطالعة والتحصيل، فلا حدود لها، وهذا ما يعبر عنه عند علماء التربية المعاصرين، بأن الشيخ لا يعلّم التلميذ العلم، وإنما يعلّمه كيف يتعلم، أي كيف يحصّل العلم.
ونستطيع من معايشتنا لإمام الحرمين ومصاحبتنا له هذا العمر، واستماعنا إليه طول هذه السنوات أثناء تحقيقنا لآثاره أن نقول: إنه استوعب علوم عصره، وأحاط بآثار أعلام الأئمة في كل فن، واستوعب علومهم، فمن هؤلاء:
الإمام أبو الحسن الأشعري، والقاضي أبو بكر الباقلاني، من متكلمي أهل السنة والقاضي عبد الجبار بن أحمد، والنظّام، وأبو علي الجبائي، وابنه أبو الهاشم، والكعبي من متكلمي المعتزلة.
* كما ظهر من كتابه الفذ (نهاية المطلب في دراية المذهب) أنه استوعب علم القاضي أبي حامد أحمد بن بشر المرورُّزي ثم البصري (ت ٣٦٢ هـ) وعلمَ الشيخ أبي حامد الإسفراييني أحمد بن محمد بن أحمد، ويعرف أيضاً بابن أبي طاهر (ت ٤٠٦ هـ) وكذلك أحاط بفقه ابن الحداد، أبو بكر محمد بن أحمد القاضي المصري، تلميذ أبي إسحاق المروزي (ت ٣٤٥ هـ)، فهو كثير النقل عن كتابه الفروع، ومناقشة مسائله.
أما ابن سُرَيْج، فهو أحمد بن عمر أبو العباس المتوفى ٣٠٦ هـ، أحد أعمدة المذهب، فقد تردد ذكره في (النهاية) والنقل عنه مما يوحي بتلمذة الإمام له، والإحاطة بفقهه، وربما كان أكثر من عني الإمام بالنقل عنهم هما الشيخ أبو علي، وصاحب التقريب، فأما الشيخ أبو علي، فهو أبو علي السنجي، الحسين بن شعيب بن محمد، من سِنْجه، أكبر قرى مرو، أول من جمع بين طريقتي الخراسانيين والعراقيين، له شرح الفروع، وشرح التلخيص (ت ٤٣٠ هـ).